info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الأولى العدد الثاني أيلول 1995

صوت داهش

السنة الأولى العدد الثاني أيلول 1995

 

اليقظة الروحيَّة في بلادِ الماديَّة

 

أمريكا، حيث المال والجنس إلهان يُعبدان، تشهد اليوم يقظة روحيَّة كبرى لم تعرف مثيلها العصور الحديثة على حدِّ قول كثيرين من المُعلِّقين. فعلى تزايد نسبة الجرائم في كثير من الولايات، واتِّساع دائرة الإباحية الخلقية في معظم المدن، وتفاقم الجشع في الأوساط الماليَّة والتجاريَّة، فإنَّ المدَّ الروحانيّ المُفاجئ أخذ يتجلَّى في عدّة مظاهر:

• منذ أشهر كثيرة باتت الكتب الروحانيَّة في موضوعاتها أو معالجتها تحتلّ أكثر من ۲۰ ٪ من مجمل العناوين المدرجة في  لوائح الكتب الأكثر مبيعاً التي تنشرها صحيفة "نيويورك تايمز" أسبوعياً. وهي تبحث في القيم الروحيّة، والفضائل، والارتقاء الذاتي، والعالم الآخر، ووجود الله، والخلود، والملائكة ... حتى الروايات الأكثر رواجاً اتَّجة بعضها اتِّجاهاً روحيَّاً.

• رواج الموضوعات الروحانيَّة لا يقتصر على الكتـب الصادرة حديثاً، بل يتعدَّاها إلى الفنون كما إلى وسائل النشر. فالتسجيلات الموسيقية ذات النزعة الروحيَّة ضربت رقماً قياسياً مبيعها، إذ بلغ بيع بعضها حوالى ثلاثة ملايين نسخة. أما الصحافة فقلَّما ترى فيها مجلَّة ثقافيَّة عامَّة لم تتطرَّق في خلال الأشهر العشرين المنصرمة إلى موضوع الروحانيَّة حتى العروض التلفزيونية المُهمَّة ركَّز بعضها على الروحانيَّة، بل إنّ شبكات الكمبيوتر داخلتها ندوات منتظمة عن الأديان والروحانيَّة .

• حسب الإحصاءات  الأخيرة ازداد كثيرا عدد الذين يؤمنون بالتقمُّص تعليلاً لأحداث الحياة، ويتخذون الطبيعة ملاذاً للتأمل، إذ تعدت نسبتهم ثلث الأمريكيين.

• علماء من مختلف الحقول العلمية يحاولون اكتشاف القوة الروحية العظمى من خلال ما يدرسون، بعد أن رأوا شدّة تشابك الكيان الإنساني بمختلف طاقاته مع جميع الطاقات المنبثَّة في الكون عبر الحيوان والنبات والجماد؛ حتى إن فرانك تيبلر Frank Tipler - أحد علماء الفيزياء وضع كتاباً ضخماً بعنوان فيزياء الخلود The Physics of Immortality حاول فيه إثبات وجود الله عن طريق العلم، وذلك بعد أن كان ملحداً.

• على الصعيد السياسي، بالرغم من تعلّق الأمريكيين بفصل الدين عن الدولة، فإن كثيرين بينهم قد يكونون الأغلبية - أخذوا يطالبون بإدخال الصلاة إلى المدارس الرسمية، أو على الأقل، بإعطاء الطلاب دقيقة أو أكثر قبل مباشرة دروسهم اليومية، يصلُّون خلالها، في صمت أنفسهم، كلٌّ على هواه و تبعاً لمعتقده.

 

كذلك فقد أدخلت الدولة في خريف العام الماضي تعديلاً على برنامج تعليم التاريخ للصفوف الثانوية قضى بدراسة حياة الرسول العربي وبعثة الإسلام وتأثير البوذية والهندوسية، كما بدراسة ميثولوجيات التكوين عند الشعوب. ترى، ما سبب هذه الموجة الروحانيَّة التي يقوى زخمها وتنداحُ دوائرها متَّسعة يوماً بعد يوم؟

 

من مقارنة آراء الباحثين في هذه الموجة الروحانيَّة المفاجئـة يتَّضح أن أكثرية الذين اتَّخذوا هذه الطريق كانوا غير راضين عن مسلكهم، يشعرون بالاضطراب و الضياع، ويبحثون عن معنى لحياتهم كما عن السَّلام النفسي الذي لم يلقوه في المذاهب التقليدية التي نشأوا فيها، أو حاولوا العودة إليها. ففي استطلاع للرأي العام قامت به مجلَّة "نيوزويك" الواسعة الانتشار، في أواسط خريف 1994 ، ظهر أن ۵۸ ٪ من الأمريكيين يشعرون أنهم بحاجة لمزيدٍ من النمو الروحيّ كما لتجارب تُرقّيهم روحيَّاً.

 

فالإنسان بحاجة إلى الإيمان بقوة عظمى تمنح حياته معنی وتصبح مرتكز عزاء ومعقد أمل

له عند الشدائد. فإذا لم يكن في الكون إله عادل، وإذا لم تكن النفس خالدة، فالكفاح من أجل انتصار القيم الإنسانية يذهب هباء، والتَّضحيات تفرغ من معناها، ويصبح الخير والشرّ متساويين، وكلُّ ما سعی و سيسعى الإنسانُ إليه باطلاً.

إن الداهشيين يؤمنون بأنّ في الكون نظاماً روحيَّاً دقيقا، وأنّ يدا روحيَّة قادرة تمهد الطريق للحادث الأعظم: إعلان عودة المسيح، وبدء انطواء نظام العالم القديم. ألم تبُشر جميع الأديان بمجيء الهادي المنقذ؟ ألا تكون يد المسيح الهادي غير المنظورة هي التي توقظ نفوس كثيرين ليروا حقيقة خلاصهم؟ *

 

رئيس التحرير

د. غازي براكس