
رؤيا واقعية
جلستُ محزونَ النفس،
خافق القلب،
مُضطرب الجوانح،
واستعرضتُ بمخيلتي حياة الإنسان القصيرة الأمد،
فمرت أمامي أعوامٌ سوداء قاتمة مُخيفة.
وظهرتْ نُصب عيني آلامٌ شعرتُ بها في أعماق نفسي،
وشاهدتُ دموعًا مُتساتلة
كأنها الغيثُ الغزير عند انهماره.
وتراءت لي مخاوفُ مُستقرة في أعماق الأيام الآتية،
وهي تكشر عن أنيابها القاطعة مُتحينة فرصةً سانحةً للوثوب.
ثمَّ رايتها تنقضُّ على بعض أفراد البشر المساكين،
فتفتك بهم وتُشرد الأطفال الذين لا ذنب لهم،
وتهلكهم وتيتمهم وتُذيقهم أصناف البلاء وويلاته وتُحزنهم.
وعندما عجزتُ عن تفسير ما شاهدتُ،
ارتعتُ لهذه الرؤيا الواقعية،
التي تنطبق على كل فرد من بني الإنسان.
وعدتُ إلى نفسي وأنا أُردد:
مسكينٌ كل بشري يقطن الغبراء!
ووددتُ لو يكشف لي الأبدُ عن اسراره الخفية فاسعد،
ولكن أنى لهذه الأمنية أن تحقق،
وأنا ما زلتُ أرزح تحت أثقال جسدي المادي التعيس؟
ولكن الروح ساعة مغادرتها لجسدها البالي الحقير،
تتكشفُ لها هذه الأسرار المجهولة،
وتبدو الحقيقة التي نشدها البشر آجالاً عبثًا،
فيعرفُ كُلٌّ لِمَ أَتى الى هذه الحياة الفانية،
وما سرُّ الدموع التي كان يسفحها
والآلام التي كان يعانيها.
فمتى تحين الساعة الخالدة،
ساعة انطلاقي من عالم الأسر إلى فضاء الحرية؟!
القدس، 6 نيسان 1933