
مقدمة الكتاب
هذا الكتاب ألفته منذ ستة وأربعين عامًا انطوت أيامها، واندثرت آثارها، وتبدَّدت رياحُها.
وكنت يومذاك بعنفوان الفتوة ونضارة الصبا.
ويومذاك أحجمتُ عن نشر هذا الكتاب، إذ أردتُ أن أخرجه بصورةٍ أنيقة للغاية، كما صمَّمت على تزيينه برسومٍ فنية رائعة.
ورحتُ أبحث عن فنان متمكَّن من فنه في البلاد العربية، ففشلتُ بمسعاي إذ لم أجد أيّ فنان بإمكانه إخراج الرسوم الفنية المطلوبة. فأرجأت طبعه إذ لم أحبّ أن أطبعه طبعةً عاديةً كالكتب التجارية المُتداولة.
وفي مطلع عام 1936 طبعتُ كتابي "ضجعة الموت" بمطبعة شنلِّر الألمانية بالقدس وكانت حينذاك أهمّ مطبعة في الشرق.
وكنتُ قد عثرتُ على فنانٍ إيطالي اسمه (موريللي) بالقاهرة فكلفته أن يرسم لي رسوم كتابي "ضجعة الموت". والحقيقة أنني لم أعجب بمقدرة هذا الفنان، وكنت أود أن أعثر على فنان يفوقه بالإبداع.
وقد خرج كتابي "الضجعة" بحلة أنيقة قشيبة مدهشة. والحق الذي يجب أن يقال أنه بعد مرور أربعة وأربعين عامًا على طبعي لهذا الكتاب لم يطبع كتاب آخر سواه، يكون بمستواه الفني، بين مئات الآلاف من الكتب التي طبعت بجميع البلاد العربية.
إذ طبع بألوانٍ أربعة طباعة أنيقة للغاية؛ وقد خطه الخطاط المشهور نجيب الهواويني، والخطاط محمد حسني.
والورق صقيل، ومن النوع الممتاز للغاية، وتجليده فني، وأناقته مثلى.
ذكرت هذا لأبين السبب الذي منعني من طبع كتابي "قيثارة الآلهة"، إذ أردتُ أن يخرج بصورةٍ تتفوق على كتابي "الضجعة".
ومكث الكتاب في درجة طوال هذه الأعوام الستة وأربعين. وأخيرًا نفضتُ عنه غبار الأيام، ودفعته للمطبعة بعد رقاده الطويل.
ويجد القارئ قطعًا عاطفية مختلفة كتبتُها وأنا في طور المراهقة التي انطوى عهدُها وانكفأت دفتها.
وكتابي "قيثارة الآلهة" يبرز الآن إلى الميدان ليُوقّع ألحانه على قيثارة الحبّ مستعبد الرجل والمرأة مذ خلفت حواء وآدم، وحتى نهاية أيام كرتنا الأرضية.
فالحبُ هو غايةُ الرجل وأمنيّة المرأة، فلولاه لتوقفت نسمة في دنيانا، ولأصبحت قفرًا يبابًا وبلقعًا خرابًا...
وليتَ الأمر كان هكذا...
إذًا لما كان شقاء وبلاء، وكربٌ وعناء.
ولكن رغمًا عن الأهوال التي تحيق بالرجل والمرأة نتيجة الاتصال الجنسي، فانهما يستميتان في سبيل جنى تلك اللذة العابرة، رغمًا عن تأكدهما ممّا سيلاقيانه من أهوالٍ ومنغصاتٍ متسلسلة لا نهاية لها.
وقد سبقهما لذلك أبوانا الأولان آدم وحواء، فضَّلا هذه اللّذة على الجنَّة التي طُردا منها بعد إقدامهما على أكل الثمرة المحرَّمة.
وبعد، لقد دفعتني فتُوتي، يومذاك، أن أخوض ميدان العاطفة، فدوَّنتُ توقي بكلماتٍ وجدانيّة يراها القارئ مسجَّلة في هذا الكتاب الذي أسميتهُ:
"قيثارة الآلهة"
بيروت، الساعة الثامنة من صباح 29/4/1980 الدكتور داهش
عام 1933