info@daheshism.com
الإدمان  الكحول  المخدرات:

 

المرأة أدخلته إلى رمسه

 

خانته فأصبح سكيراً

 

كان شاباً سكيراً يواصل احتساء المسكرات ليل نهار...فهمّه من دنياه جرع أكبر مقدار من كافة أنواع هذه المسكرات المتعددة الأصناف.

و سبب إدمانه على هذه العادة السيئة هو اكتشافه خيانة من وهبها حبّه و سلمها زمام قلبه. إذ إنه فجع، في إحدى الليالي، عندما أمسكها مسك اليد وهي ترتكب جريمة أكل الثمرة المحرمة!...ومع من؟...مع أحبّ صديق كان يأتمنه على أعزّ ما يمتلكه من ماديات و معنويات!

و منذ ذلك اليوم اسودت الدنيا بعينيه، و أصبح لا يؤمن حتى بيمينه، و كفر السماويات، و لعن الدنيويّات !..وراح يجترّ أحزانه بجرع المسكرات، و دفن آلامه بمواصلة غزوه لابنة العناقيد.

وسامح يمتلك ثروة نقدية طائلة، وعقارات عديدة، و شركات ذات رؤوس أموال ضخمة. فقد توفي عنه والده-وهو وحيدج- فآلت هذه الثروة الضخمة إليه.

ومنذ خيانة من كان سيقرن حياته بحياتها هدر قسم كبير من ثروته الطائلة على معارفه يدعوهم لمشاركته في تذوق متعدد أصناف ما اخترعه البشر من المسكرات كالشمبانيا و الوسكي و الجنّ و البراندي، و سواها و سواها من شتى الأصناف المختلفة.

قلت ابتدأ بتعاطي المشروب منذ خيانة من كان سيقترن بها؛ و قد مضى على هذا الحادث المشؤوم ثلاثة أعوام و أربعة أشهر.

ومن كان يعرف سامح قبل هذا العهد، و شاهده بعد هذه الأعوام، لا يمكنه أن يعرفه إطلاقاً، فقد انقلب رأساً على عقب و بطناً لظهر؛ إذ أصبح منظره-وهو لم يتعد بعد الثلاثين-يوحي بأنه تجاوز الخمسين بمراحل.

إنها المرأة، لا سواها، من اوصله لهذا الدمار الماديّ و الجسمانيّ!

و صدق الأبراطور نابليون، هذا القائد النابغة الذي قال:

"من تهزّ المهد بيمينها..وتهزّ الأرض بيسارها".

 

 

والتقى الصديقان

 

وقرع جرس التفون بقصر سامح، و كان المتحدث مجاهد صديق سامح، و قد أنبأ بأنه سيزوره بخلال ساعة؛ فهو يحدث سامح من محطة طيران هيثرو بلندن إذ بلغها منذ عشر دقائق.

وما كان أعظم سرور سامح بسماعه صوت صديقه الذي طالت غيبته، إذ هاجر إلى البرازيل، و مكث فيها أربعة أعوام، ثم غادرها عائداً إلى لندن حيث كان استقراره.

و سامح كان قد تسلم، منذ أسبوعين، تحريراً من صديقه مجاهد ينبئه فيه بعودته بخلال أيام، وهوذا قد وصل إلى مطار هيثرو،ولا يفصله عن بلوغ مقرّ سامح إلاّ مسافة الطريق.

 

 

لقد خانتني

 

ووصل مجاهد على منزل صديقه سامح، فتعانقا، و كان السرور طافحاً من وجهي الصديقين. ثم حدق مجاهد بوجه سامح ملياً، ثم قال له:

-سامح، ماذا أرى؟ أتراني مخطئاً، و أنا أنظر إلى وجه شخص آخر؟ أم إنك قد انقلبت بمعجزة فإذاك قد تقمصت بصورة غير التي كنت أعهدها فيك؟! قل لي، يا صديقي العزيز، واصدقني القول:ماذا دهاك؟! و كيف أصبحت تبدو كالشيخ الهرم و انت ما تزال في شرخ الصبا و معيان الشباب؟!

وعلت الكآبة أسارير سامح، و أجاب صديقه:

-مجاهد، أيها الصديق الصدوق، إنها المرأة، المرأة الخائنة دون سواها!

ثم قص عليه نبأ خيانة من كانت ستصبح زوجة له، و لكن العناية أنقذته باللحظة الأخيرة، فأمسكها وهي ترتكب فعل الزنا الشنيع!.. ومع من؟ مع صديقه الحميم: رامق!

و ذهل مجاهد، و ضرب كفاً بكفّ، ثم تفوّه بعبارة جارحة للمرأة الخائنة، و قال له:

-سامح، أيّها الصديق العزيز، يوجد مثل يقول: " لا يفلّ الحديد إلاّ الحديد". فالمرأة هي التي أدخلتك إلى الجحيم،و هي التي ستحلّق بك إلى جنات النعيم.

أجابه سامح:

-معاذ الله أن أعود فأقرن حياتي بحياة هذا الجنس البغيض، فكفاني ما أصبت به من خيانة سترافقني ذكراها إلى عالم الرموس.

 

العودة إلى البرازيل

 

و تحدث الصديقان شتى الأحاديث، و أخبر مجاهد صديقه سامح بأنه سيعود إلى البرازيل بعد ثلاثة أشهر لتصفية معمله هناك،إذ كان المعمل يضم 170 عاملاً لصنع الأقمشة الجوخية، و بعدئذ يرجع نهائياً إلى لندن.

وما كان أعظم دهشة مجاهد عندما عرف من سامح أنه صرف بخلال الأعوام الثلاثة مبلغ مليون جنيه استرليني على الحفلات الصاخبة و الولائم الكبرى التي كانت تجري فيها الشامبانيا و كأنها الانهار المتدفقة!

وبادر مجاهد صديقه بقوله:

-عليك، يا صديقي، بالكف عن هذا الجنون الذي سيقودك للإفلاس.

فأجابه:

-ليكن الأمر ما تقول، لكن لا يسعني أن ادفن أحزاني بطوفان من شتى أنواع المسكرات. و قد سبق السيف العذل.

وصمت مجاهد وهو متألم الألم كله. ثم ودّع  صديقه على أن يزوره ثانية وثالثة قبل عودته إلى البرازيل.

 

 

مراسلات

 

و مضت الأشهر الثلاثة مثلما يمضي كل شيء في حياة دنيانا،وودّع مجاهد صديقه سامح، واتفقا أن يتراسلا، فصداقتهما وطيدة إذ كانا على مقاعد الدراسة معاً، و حبهما الواحد للآخر يعرفه الجميع.

ومضى شهر كامل على سفر مجاهد إلى البرازيل...و بنهايته تسلّم سامح من صديقه التحرير التالي:

البرازيل،في 6/5/1930

 

يا اعز الأصدقاء

 

وصلت إلى البرازيل دون مشقة، و بادرت إلى تصفية معملي، وهو يحتاج إلى بعض الوقت لتشعب ارتباطاته. ومنذ ثلاثة أيام أحييت حفلة بمناسبة وصولي سالماً إلى البرازيل حضرها نخبة من أرقى العائلات محتداً.

و مما يلفت النظر حضور الآنسة كسندرا و هي فتاة لا تتجاوز الثمانية عشر ربيعاً؛ و قد حباها الله جمالاً فردوسياً؛ و بسمتها تحيي و تميت. ذلك فضلاً عن ثروتها الطائلة التي ستؤول إليها من والدها، و هي وحيدته.  و مع أنها بعمر الورود، فهي تتقن  أربعة لغات: البرازيلية، الإفرنسية، الانكليزية،و الإيطالية.و هي من أمهر العازفات على البيان، و ثقافتها رائعة، و ادبها جمّ.

وقد كانت نجمة السهرة، و كوكبها المتألق،و بهرت كل من حضر. و كان كل منهم يتمنّى أن يحظى منها بكلمة أو بلفتة. أما النساء و الفتيات فكان حسدهن منها يبرز من عيونهنّ، فكأنها القمر بينهنّ!

و المدهش بالأمر أن صورتك الفوتوغرافية الكبيرة المعلقة بصدر الصالون لفتت نظرها. فسألتني: من هو صاحب هذه الصورة؟ فأعلنتها اسمك، و قلت لها إنك من أعزّ أصدقائي و أحبّهم إلى قلبي.

و بعد أن تمعنّت بالرسم، قالت:

-كم هو رقيق العاطفة! هذا ما يبدو لي من نظراته. و أكملت: ما أجمل وجهه و أفتن عينيه! و ما أتمّ أناقته! وردّدت: ليته كان يشاركنا فرحنا بلقائك.

فشكرتها على حسن ظنّها بك رغماً من انّها لا تعرفك. فأجابتني:

-شهادتك به كافية. فأنت امتدحت خصاله، و اكدّت أنّه نبيل بكلّ ما تعنيه كلمة النبالة، و كفاه بهذا فخراً.

وثق أيها  الصديق العزيز أن الشبان الذين كانوا يصغون لكلماتها حسدوك دونما ريب، و تمنّى كل منهم لو كان هو البديل.

وكم شكرت ربّي لأن لساني لم يزلق و يعلمها بأنك نكبت بحادث نسويّ، فرحت تعاقر الخمرة بشتى أنواعها؛ إذاً  لكانت هناك الطامّة الكبرى، لأنها سألتني و هي تنعم النظر في تقاطيع وجهك، قائلة:

-أعلمني، يا مجاهد، هل صديقك يتعاطى الخمرة؟

فكدت اصعق!..لكنني تمالكت أعصابي، و قلت لها:

  • حاشا الله، أيتها الفراشة الهفهافة، فبعد المسكرات عن صديقي بعد السماوات عن الأرضين.
  • فابتسمت و قالت:

 -  ليتني أتعرّف إليه.

فأجابتها:

- تنفيذاً لرغبتك سأدعوه لزيارة البرازيل، إذ إن كلمتك قانون نافذ.

و ختاماً أقول: كم أنا حاسد لك! فشبان البرازيل يقضهم و قضيضهم يتمنون لو يتاح لهم ما اتيح لك يا أعزّ الأصدقاء.

و بانتظار تحريرك أقبلك من بعد.

 

صديقك المشتاق

مجاهد

 

 

ملاحظة: ليتك أيها الصديق الأوحد تقلع عن تعاطي المسكرات، لأنني أقسمت لها انك تشمئز من كل من يتعاطاه، و هكذا أكون صادقاً بقسمي لها.

***

تسلّم سامح تحرير صديقه، فدهش لما جاء فيه، و قرأه ثانية، و تمعّن بكلّ كلمة فيه للمرّة الثالثة. و سرّ لما عرفه من مضمون التحرير، و جعل قلبه يخفق بصدره لاهتمام تلك المراهقة البرازيلية بشخصه. ثم اتجه نحو المرآة، و راح يطيل النظر إلى وجهه،و يتملّى بقيافته...وتمتم قائلاً: هل سيتاح لي التعرف إليها؟

إن الأذن تعشق أحياناً قبل العين، فليتني أجتمع بها.

و ذهب عاجلاً إلى مكتبه، و جلس وراءه، و كتب لصديقه الرسالة التالية:

                                                   لندن، في 20/5/1930

 

أيها الصديق الحبيب

تسلّمت تحريرك المدهش، و ذهلت لما جاء فيه. حقاً، لقد حوّلني لشخص آخر بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة. و لقد سيطرت عليّ شخصية كسندرا الفاتنة، بعد وصفك التام لها،و بتّ أتمنى أن أجتمع بها.

فيا صديقي العزيز، زدني معلومات عنها، فأنا ظامئ لمعرفة كل ما له صلة بها.

أوليس غريباً أن تلفت صورتي الفوتوغرافية نظرها،و هي من يتمنى الشبان التهالك على قدميها؟! حقاً إن حظي ليفلق الصخر الأصم! فالشكر للعناية الإلهية.

واعلم، يا صديقي، أنني متشوق لمعرفة كل ما له شأن بها من كبيرة و صغيرة. ومن يدري؟ ربما تقودني الأقدار لمصير يبعد عني التشاؤم و يمحو عن صفحة وجهي العبوس و الكآبة الملازمين لي منذ الحادث الملعون.

و أصدقك أنني، بعدما أنهيت تلاوة رسالتك، أقسمت- و أنا واضع يدي على الكتاب المقدس- ان فمي لن يدخل منه إلى جوفي أي نوع من أنواع المسكرات التي اعتدت تعاطيها. و أشهدت الله على قسمي العظيم، ورددت: و إذا حنثت بيميني المقدسة فليلق جثماني لكلاب الأزقة، و لأكن ملعوناً من كل لسان، ومذموماً من جميع أبناء الغبراء، و لتتبعني أللعنة الاسخريوطية الأزلية الأبدية، و لتلازمني أينما كنت و حيثما حللت، و حتى في عالم الأرواح...هذا إذا حنثت؛ و حاشا لي أن أحنث.

ولي رجاء حارّ أتمنى أن تحققه لي، وهو : هل بالإمكان أن أحظى برسم كسندرا الفوتوغرافي؟

وبانتظار تحريرك برجوع البريد، اقبل أشواقي العارمة.

 

صديقك سامح.

 

 

أيها الصديق

 

هي بشرى أزفّها إليك. فمنذ يومين زارتني كسندرا مع وصيفتها، و راحت تستطلعني اخبارك.

و اعلمتني بأنها حلمت بك، إذ شاهدت نفسها تمتطي فرساً أصيلاً، و أمنت برفقتها على صهوه فرس آخر. و قد ذهبتما إلى غاب ظليلة أشجاره، عذب شدو أطياره، و لذيذ مذاق أثماره. و قد تفيّأتما ظلّ شجرة ضخمة بجوار بحيرة سحرية، ثم تبردتما إذ استحممتما بهذه البحيرة الحالمة. و بخجل و خفر ملحوظ قالت لي كسندرا إنك قبّلتها!...فإذاها و قد سكرت من لذة قبلتك، فتراخت بين ذراعيك، ثم استيقظت. و أكملت قائلة:"هل للأحلام معنى مثلما يقولون؟"

فيا صديقي العزيز، لقد أصبحت كسندرا عاشقة وامقة، و رجتني أن أسمح لها بنسخة عن صورتك المعلقة بصالون منزلي، فهل أحقق رغبتها؟ إنني أنتظر كلمة منك حول هذا الموضوع.

كما تجد أنني قد حققت لك طلبك. فها إني أرسل لك صورة عن رسم كسندرا، و منه سيتأكد لك كم هو جمال هذه المخلوقة الفاتنة.

و يلذلي أن أرسل لك بالبريد المسجّل قلماً  ذهبياً سلمتني إياه لأرسله لك. فهنيئاً، أيها الصديق، لاهتمام هذه الغزالة بك، و هي من يتمنى الجميع أن يتاح لهم التحدث إليها، فكيف بها و قد أغرمت بك؟! و إذ أودعك، أنتظر بلهفة تحريرك العاجل.

 

                                                          صديقك المحب

                                                          مجاهد

 

 

                                             لندن ، في 15/6/ 1930

يا صديقي

إن تحريرك أعاد إليّ الأمل المفقود. فالشكر لك، و عرفاني لجميلك لن أنساه ما حييت.

من كان يقول إنه كان بالإمكان أن أنقلب رأساً على عقب؟!

لقد تمثّلت كلمتك لي عندما زرتني بمنزلي لي:"لا يفلّ الحديد إلا الحديد". و أكملت، يومذاك، فقلت:"إن المرأة التي أدخلتك إلى الجحيم هي التي ستولجك لجنات النعيم المقيم."

فيا لله! إن نبوءتك قد حققت. فما أنت إلا نبيّ كريم!

القلم الذهبي تسلّمته، و سأحتفظ به ما بقيت لي حياة.

إنني بشوق عارم للإجتماع  بكسندرا، فهل أغادر لندن إلى البرازيل؟

إستطلع لي رأيها، فإنني لا أريد أن أقدم على أمر لا ترغب فيه. و آمل القبول كي تكمل سعادتي بمشاهدتها.

طيّه شك بقيمة 100 ألف جنيه استرليني. أكلفك أن تبتاع بهذا المبلغ حليّة ماسيّة ثمينة و تقدمها لها باسمي.

وبانتظار ردّك أنا على أحرّ من الجمر. إقبل أشواقي.

                

                                                   صديقك المحب

                                                   سامح

 

 

ملاحظة:يمكنك تسليمها نسخة عن صورتي الفوتوغرافية.

و إني شاكر لك إرسالك صورة كسندرا المدهشة؛ فجمالها مذهل، و فتوتها أخاذة، و تقاطيعها مبدعة. و سأوصي الجوهريّ ليصنع لي إطاراً ذهبياً  ترصّعه الحجارة الكريمة لأضع رسمها فيه. فهي مبدعة الفتنة، مشدهة الأنوثة!

 

 

 

                                                   البرازيل في 30/6/ 1030

 

يا أحبّ مخلوق لديّ

 

تحريرك تسلّمته ، و الشك قبضته، و ذهبت فوراً إلى أشهر متجر للمجوهرات، وابتعت لكسندرا خاتماً ماسياً اثني عشر قيراطاً، وهو من النوع الأبيض الأزرق و يعتبر من أنفس أصناف البرلنت الثمين. و ثمنه مئة و عشرة آلاف جنيه. و إني أعتبر نفسي مساهماً بهذه الهدية، لهذا لن أقبل مبلغ العشرة آلاف جنيه إذا أرسلت لي شكاً مصرفياً بها، بل سأعيده إليك.

و كسندرا دهشت من هذه الهدية الثمينة ، و هي تشكرك لأريحيّتك؛ وكان بودها أن تراك.و هذا غاية مبتغاها.

و لكنّ شقيقها في أميركا أصيب بحادث سيارة إصابة بالغة، و هي مضطرة أن توافيه للمستشفى كي تطمئن عليه.

و فور عودتها سأعلمك لتوافينا إلى البرازيل فننعم بالاجتماع بك.واسلم لمن يحبّك كثيراً.

 

                                                          مجاهد

***

أيها العزيز                                   لندن في 20 تموز 1930

 

بلهفة تسلمت تحريرك، و طالعته بإمعان، وكم كان حزني كبيراً للحادث المفجع الذي أصيب به شقيق كسندرا.

لقد تألمت جداً. و بعد أن كان لقائي بها قاب قوسين أصبح هذا الموعد المرجّى مجهولاً. فيا للأقدار و مخبّآتها المؤسية!

بخصوص مقاطعتي للمسكرات، أؤكد لك أنها أبدية، و الحمد لله. فيميني هي دائمة نصب عينيّ،فاطمئن.

و بالمناسبة أعلمك أن متاجر الشمبانيا و ملحقاتها قد استبدّ بها الاستغراب الكبير لانقطاعي عن الطلب إليها أن تمدّني بعشرات الصناديق من هذه المشروبات المؤذية. إذاً خسارتها كبيرة بعد أن امتلأت صناديقها بالأموال التي نثرتها فيها. و الفضل لك بانقطاعي عن هذه العادة الكريهة التي كانت تستنزف صحتي و مالي.

و غنني اترقب بفروغ صبر إخبارك إيّاي عن انباء كسندرا بأميركا. فلي شوق ملحّ لمعرفة أحوال شقيقها بعد إصابته.

 

ملاحظة: طيّه شك آخر بقيمة 100 ألف جنيه إسترليني و قد وقّعت على ظهره، راجياً إيّاك أن ترسله لكسندرا كي تبتاع أسوارة مرصعة من نيويورك، إذ فيها متاجر مجوهرات مشهورة عالمياً.

واسلم لصديقك المشتاق

 

                                                          سامح

 

***

                                                          البرازيل في 18 آب 1930

 

أيها الصديق البعيد القريب

إن شوقي للقياك عارم.

و بعد، لقد تأخرت بمراسلتك، و السبب هو عدم تسلّمي أية كلمة من كسندرا، و هذا ما يشغل البال.

الشكّ تسلمته، و حين وصول أيّة كلمة من كسندرا سأرسل لك تحريراً أعلمك فيه أخبارها. وبانتظار كلمة منك، أحييك.

 

مجاهد

 

                                             لندن في 22 تشرين الأول 1930

أيها الصديق

 

الإضراب الذي أعلنه موظفو دائرة البريد بلندن أخّر تسلمي لتحريرك المؤرخ في 18 آب 1930. فعذراً.

قلقي شديد، ما هي أخبار كسندرا؟ هل وصلتك رسالة ما منها؟ وما هي أخبار شقيقها؟ آمل أن يكون كل شيء حسناً.

أعصابي ثائرة، و أودّ أن أطير للبرازيل، و لكن العصفور الجميل قد أصبح بأميركا، فليته يعود قريباً.

آمل أن أتسلّم برقية فور عودة كسندرا لأقرر مصيري.

واسلم لصديقك المخلص.

 

                                                   سامح

***

                                             البرازيل، في 18 تشرين الثاني 1930

أيها العزيز

اليوم فقط تسلمت تحريراً من كسندرا. و فور اطلاعي على محتوياته، أبادر فأعلمك بأن شقيقها قد أجريت له عملية استغرقت ساعتين و نصفاً، فالرئة لديه ممزقة، وضلعان من صدره محطمان، وهو ما يزال بحالة الخطر الشديد.

و كسندرا حزنها هائل، و خوفها رهيب على شقيقها، رغماً عن هذا فقد سألتني عنك، و طلبت مني أن أبلغك تحياتها.

ثم رجتني أن أعلمك أن لا تدع أحداً ما يعرف عن علاقتك كتابياً بها، لأن والدها يريد أن يزوجها بأحد الأمراء الأثرياء.

و هي لا ترغب أبداً بهذا الأمير، إذ غنها، منذ مشاهدتها لرسمك، تعلقت بك تعلّق الغريق بقشة النجاة.

و كان بودها أن تراسلك بخطها، و لكن حذرها الشديد و خوفها من ضياع إحدى رسائلها ووصول أنبائها لوالدها هما اللذان يمنعانها من ركوب هذا المركب الخشن.

لهذا فضلت أن أكون أنا الوسيط بينك و بينها.

ثم...م أعلمك بأنه إذا تمّ اقترانك بها فهي لا ترغب لمغادرة البرازيل، بل ستقطن فيها. اللهم إلاّ إذا سافرت برفقتك إلى لندن و باريس و بلجيكا و سواها، ثم تكون العودة إلى البرازيل. فهل توافق على هذه السكنى أم ماذا؟

آمل الجواب برجوع البريد لأعلم كسندرا.

واسلم لصديقك

                                                          مجاهد

***

                                                    لندن في 12 كانون الأول 1930

 

أيها الصديق:

سروري كان بالغاً بمعرفتي أخبار كسندرا، واستيائي كان شديداً لعلمي بإصابة شقيقها البالغة. شفاه الله.

بخصوص سكناي بالبرازيل، لا مانع لديّ إطلاقاً، فأنا رهن إشارة كسندرا وطوع رغبتها،و آمل أن تبلغها ذلك.

أما بشأن عدم استطاعتها مكاتبتي شخصياً فأنا أوافقها على رأيها هذا. فالمخاطر كثيرة، والمحاذير عديدة، و الحكمة تقتضي الحذر. و هذا يبرهن لي أنها ذكية بمقدار جمالها الفتّان.

فيا صديقي العزيز، بما أن كسندرا قررت المكوث بالبرازيل فيجب أن اختار لها قصراً منيفاً يليق بها. لهذا أرجوك أن تنتخب قصراً حديقته غنّاء، يكون مشاداً في أرقى أحياء العاصمة السكنية؛ و أعلمني عن ثمنه لأرسل لك القيمة بعد تسلمي لتحريرك.

و لي الامل أن تطلعني على انباء كسندرا فور وصول أيّ نبأ منها لك.

واسلم لصديقك.

 

                                             سامح

***

                                             البرازيل 15 كانون الثاني 1931

أيها العزيز

تسلمت تحريرك، و ها إنّي أجيبك عليه.

كلّفت  أهمّ مؤسسة عقارية بأن تهديني لمنزل فخم ذي حديقة جميلة. و لحسن الحظّ أبلغوني أن نجل المثري الامريكيّ فندربلت قرّر نهائيّاً مغادرة البرازيل و العودة إلى أميركا؛ و كلّف هذه المؤسسة ببيع قصره الضخم الفخم. و هذا القصر الجميل الهندسة هو في أرقى حيّ سكني، تحيطه حديقة غنّاء هي جنّة فردوسية مبدعة مساحتها 12 فداناً ؛ و قد غرست فيها شتّى أنواع الأشجار المثمرة. ذلك فضلاً عن وجود بحيرة بجوار هذه الحديقة التي هي فردوس رائع. و لكن ثمن هذا القصر مرتفع،إذ إنه يبلغ مليون جنيه استرليني و نصف مليون؛ فهو أغلى قصر في هذا الحيّ الراقي،كما إنه أجمل قصر بين القصور البرازيلية.

وآل فندربلت هم من أثرياء المريكان. و قد بلغت نفقات هذا القصر عندما شيّد منذ عامين مليوني استرلينيّة.

 

ملاحظة: بخصوص كسندرا لم أتسلم منها أية كلمة حتى الآن، و عند وصول تحرير ما منها سأبلغك محتوياته فوراً.

أقبك...واسلم لمن يحبّك كثيراً.

                                      مجاهد

***

 

                                                   لندن في 22 شباط 1931

 

أيها الصديق الوفيّ

سررت لتسلمي تحريرك، و فرحت لأنباء قصر فندربلت العظيم و عرضه للبيع. فلو لم يصمم نجل فندربلت على العودة إلى وطنه نهائياً لما حصلنا على قصره البديع. لهذا تراني أبادر إلى إرسال شك بقيمة مليون و 750 ألف جنيه استرليني، و أكلفك بإجراء معاملات ابتياعه فوراً. و قد أضفت 250 ألف جنيه كنفقات رسوم و سواها. و ما يتبقى من المبلغ آمل أن تبتاع به " بروشاً" ماسياً لكسندرا.

ما هي أخبار كسندرا؟ إن شوقي عارم لسماع أنبائها بعد انقطاع طويل.

وبانتظار تحريرك أقبلك أيها الصديق.

 

                                                                        سامح

***

                                                   البرازيل في 25 آذار 1931

 

أيها العزيز:

بشراك، فقد تمت صفقة ابتياع القصر المدهش؛ و ستسرّ كسندرا عندما نفاجئها بهذه الهدية الثمينة.

إنه جنّة عدن، و قصر ألف ليلة و ليلة. و قد تأخرت بمراسلتك لأن الإجراءات اقتضت بعض الوقت.

منذ ثلاثة أيام تسلمت تحريراً من كسندرا. و قد اعلمتني بأن شقيها سيغادر المستشفى في 15 أيار 1931، و ستسافر برفقته إلى هونولولو ليمضي حوالي الشهر فيها. فهواؤها معتدل، ومناظرها فتانة، و بحرها صاف، و طقسها دافئ، و كل ما فيها يغري.

وكسندرا سألتني عنك، و هي ملحاحة لأن يمضي الوقت سريعاً لتستطيع الاجتماع بك، و تبلغك تحياتها.

مصاريف التسجيل و سواها بلغت 100ألف جنيه ؛ و ما تبقّى هو 150 ألف جنيه سأبتاع بها البروش الماسي.

لا شيء غير هذا ، واسلم لأخيك.

                                             مجاهد

 

ملاحظة: سأضطر لظروفي الخاصة أن أسافر إلى اليابان، بعد يومين؛ و سأعود إلى البرازيل في 10 حزيران، و سأوافيك بأخباري.

***

 

                                                   لندن في 6 حزيران 1931

 

أيها الصديق

 

هي مدة طويلة لم نتراسل فيها، إذ أعلمتني بأنك ستسافر إلى اليابان، كما أعلمتني أن كسندرا ستمكث حتى 14 حزيران في هونولولو برفقة شقيقها. و قد مضني الانتظار، و أنهكتني شتّى الأفكار.

و عرفت منك بأنك ستعود إلى البرازيل في 10 حزيران. و لهذا أرسل لك تحريري هذا ليصلك فور وصولك، و كلّي شوق عارم لمعرفة أخبارك.

هل لديك معلومات و اخبار عن كسندرا؟ إنني مشوّش الخاطر بخصوصها، و أودّ أن تعلمني كل صغيرة و كبيرة عنها.

إنّ أملي كبير بأن تبادر ، فور وصولك، إلى إخباري بكلّ شيء، أيها الصديق العزيز

واسلم لصديقك.

                                                   سامح

***

أيها العزيز :                                              البرازيل في 15 حزيران 1931

وصلت إلى البرازيل في 13 حزيران، ووجدت تحريرك ينتظرني. كما وجدت تحريراً من كسندرا و هي تعلمني بأن شقيقها أمضى شهر النقاهة بهونولولو ، فاستقامت صحته.

وستسافر إلى البرازيل بصحبته، و تصل في15 تموز 1931، فبإمكانك، أيها الصديق، أن تكون بهذا التاريخ في البرازيل لتتم فرحتنا بالتقائنا. و لن أعلم كسندرا بسفرك، بل ستفاجأ بمشاهدتك، وإذ ذاك يكون عندها يوم عيد كبير.

لقد نجحت في اليابان، و تمت رحلتي حسبما أريد. فالشكر للرحمان.

أقبّلك، وأنتظر أخبارك السارة.

                                      مجاهد

 

 

ألغاز و أحاجي مضنية

 

في 15 تموز 1931، وصل سامح إلى البرازيل فجأة دون أن يعلم صديقه مجاهد بسفره. و كان وصوله مفاجأة كبرى.

و تعانق الصديقان بشوق عارم.

وبادر سامح صديقه مجاهد بسؤاله عن كسندرا:

-وهل وصلت مع شقيقها من هونولولو؟

وابتسم صديقه و قال له:

-رويدك، سأعلمك كل شيء.

-وما المانع أن تعلمني، الآن؟ أريد مشاهدتها. فبربك اجمعني بها فوراً.

-سامح، يا صديقي العزيز، ماذا سأقوله لك؟ إن لساني معقود، و لا أدري كيف سأخبرك الحقيقة!

-ماذا؟! هل حدث مكروه لها؟! أفصح وأعلمني.

إني أكاد أجنّ!.. أكاد أفقد عقلي!..

كفاك تعذيباً إياي...إرحمني و أعلمني الحقيقة.

-سامح ، لقد خدعتك، ليس حباً بخداعك، بل لكمنفعتك. و ما الصورة التي أرسلتها لك، و زعمت أنها تمثل كسندرا سوى نسخة عن لوحة فنية متحفية للفنان بوغور.

-لا أفهم قصدك من حديث كهذا!...هل تمازحني؟!...لقد اختلط عليّ الأمر!...رباه! إن الأرض تدور بي!... أكاد أفقد وعيي!...لقد ضاق صدري!...

أعلمني الحقيقة يا مجاهد. بربّك لا تحاورني. ألا ترحمني؟! هل توفيت؟!...هل أصيبت بمكروه؟!... هلىتوفي شقيقها؟

-كلا...كلا...لا هذا و لا ذاك يا سامح.

-إذاً لماذا تكتّمك هذا؟! أيطربك خوفي العظيم من المفاجآت لسيئة؟!...

 

 

الإعتراف

 

-إن الأطباء، يا سامح، أطباءك في لندن استحلفوني أن أنقذك من براثن المسكرات.

و أكدوا لي أنك ستلاقي حتفك بعدما يحترق كبدك من إدمانك على تعاطي المسكرات الضارة.

واستعانوا بي عليك.

فاختلقت لك قصة كسندرا.

فكسندرا خيالية لا وجود لها إلا بمخيلتي. فهي التي دعتك أن تترك المخدرات و تنجو من ويلاتها.

 

 

وقضي على سامح

 

و جحظت عينا سامح، ثم ضاق تنفّسه، ووضه يديه على صدره وهو يتنفّس بصعوبة هائلة! فقد أصيب بنوبة قلبية صاعقة قضت عليه فوراً.

فالمرأة التي جعلته يدمن على تعاطي المخدرات!..

و المرأة هي التي أطلقت روحه من عقالها الجسديّ!..

 

بيروت، بدأت كتابتها في الساعة 11 إلا ربعاً قبل الظهر

و انجزتها في الساعة 12 و نصف بعد الظهر، و ذلك

 بتاريخ 19/1/1980