info@daheshism.com
غضب النبي الحبيب من آثام البشر:

 

عواطف وعواصف

 

عواطفُ في فؤادي! وعواصفُ في رأْسي!

عواطف... ينبض بها فؤادي، وتشعر بها روحي!

وعواصف... تثور في نفسي، وأشعر بثورتها في قراري!

عواطف... تهزُّ مشاعري، وتغمرني بالرحمة والحب والحنان!

وعواسف... تعصف في أعماقي، فتثير فيَّ الاضطراب ويهتاج منِّي الجنان!

عواطف... رقيقة تتدفَّق في حنايا نفسي الخفية!

وعواصف... تجتاح كياني فتهزُّني هزًّا عنيفًا!

عواطف... سامية تختلج في عروقي فتبعث فيها الطمأْنينة!
وعواصف... عنيفة تصطخب في أعصابي فتسري فيها نيران الجحيم!

عواطف... أُحسُّ بها تكيّفني مثلما تشاءُ وتهوى!

وعواصف... تتلاعب بي ولا لَعِبَ الصبية بالأُكَر!

عواطف... تناغيني، ومن ثم تعود فتناجيني بحنينٍ وحنان!

وعواصف... تهزأُ بهدوئي، وتأْبى إلا أن تعلن عليه الحرب العوان!

عواطف... عامِرة بالسكينة، وراحة النفس، وصفاء الخاطر!

وعواصف... مدمرة تدك الحصون، وتقتلع القلاع الحصينة!

عواطف... ساجية، هنيئة، مغمورة بالدعة واللين!

وعواطف... صارخة بالعنف والاضطراب الرهيبين المرعبين!

عواطف... سماويَّة، قدسيَّة، عذبة، نديَّة!

وعواصف... شيطانية، إبليسية، معذبة، رديَّة!

عواطف... مختلفة، متباينة، يضلُّ فيها الفكر ويفنى الخيال!

وعواصف... هدَّامة، مقوضة أُسُسَ السلام العالمي!

وأنا بينهما كالغريق التائه، وقد شدهتْه الأمواج وهي تدافع بعضها بعضًا. وإذا به صريعُ لججها السحيقة.

فوارحمتاه له!

                                                              داهش

                                                        بيروت، 1943

 

كَلمَتي لِعَام 1943

 

أيُّها العام الجديد! أهلاً بمطلعك!

لقد ذوى سلفُك بعد أن كبل الكون بقيوده الرهيبة،

وخلف وراءه أهرامًا من الأشلاءِ الممزقة المبعثرة!

لقد توارى... وصيحات اليتامى، وأنات الأيامى تخترق أذنيه الرهيبتين!

فقد خلفهم دون أن يأبه بهم، ولم يبق لهم حارسٌ أو معين!

لقد تقلص ظله الرهيب من هذه الربوع؛

أما لعلعة مدافعه المدمرة، ودمدمة رصاصه المخيف، فلا يزالان يهدران بجنون عنيف!

لقد تلاشى (الطاغية)، واللعنات تسير في ركابه آخذ بعضها في رقاب بعض من كل مخلوق وذي حياة!

لقد انطوى وغيَّبه (القدر) في أحضانه المجهولة كي يؤدي الحساب العسير لما ارتكبه من نكبات جهنمية!

والآن!... أنا أُرحّب بمقدمك أيها (العام الجديد)! طالبا من (الله) أن يهقويني في أيامك، ويهديني الرأْيَ السديد؛ راجيًا منه أن يزرع في أعماقي بذور الإيمان الصحيح؛ مناجيًا عزته أن يأخذ بيد كل تائهٍ في صحراءِ هذه الحياة وهو يصيح؛ مبتهلاً إليه أن يعطف على هذه البشرية المتألمة ويؤاسيها؛ ضارعًا بتبتلٍ ان يشفق على آلامها الرهيبة ويحقق لها أمانيها؛ حامدًا إياه على ما أولانيه من نعمٍ روحيةٍ سماوية؛ ساجدًا أمامه لسماحه بظهور بعض آياته وظاهراته القدسية؛ خاشعًا أمام عدالته التي ستجتاح كل ما يعترضها من صعب الأمور؛ واثقًا بأنه سيحطم بمطرقة حقيقته أنصاب العسف والطغيان والجور والفجور؛

شاعرًا بأن (القول الفصل) سيتم بعد وقت لا يطول؛ متأكدًا بأن هذا (الكون) الحقير صائر إلى ركام وطلول! اللهم!! قوني، وثبتني، وأضرم نيران الحماسة في صدري، كي أحمل مشعل الهداية الساطع، وأنير به رحاب هذه العالم المظلم الكئيب، فتعم السعادة في هذا (الكون)، ويفنى الشقاء!

                                                بيروت، 1  -1- 1943

 

صراخ القُبُور

 

 

الويل ثم الويل ثم الويل لنا نحن الموتى المثقلين بالأوزار!

لقد كنا في الحياة الدنيا نبعث ونلهو مع الفساق والفجار!

ونقضي الليل خائضين في اجتناء أزهاره السوداء الداجية!

ومع كل ابنة حواء مستهترة ماكرةٍ فاجرة ناكرة للجميل مداجية!

وعند انبثاق فجر جديد نلعن السماء ونطوف في الأزقة!

لقد كنا وأيم الحق غلطاء، بلداءَ، أشقياء دون ما رقة!

اختلسنا أموال الأرامل والأيام والأطفال البؤساء!

واعتدينا على الضعفاء والفقراء والمساكين التعساء!

والكذب؟! كان يسير في ركابنا أنى سرنا!

وإذا ما أوقعنا بفريستنا الآلام انشرحت نفوسُنا وسُرِرنا!

لله!... لشد ما تهكمنا على تعاليم سيدنا... سيد المجد،

حتى حل علينا القضاءؤُ وضمنا في ثنايا هذا اللحد!

وإذا بالأبالسة تتخاطفنا بقسوة وتعذبنا بعنف وجنون!

نحن ها هنا لا نشعر بعاطفة شفقةٍ من قلب عطوف حنون!

النار المتأججة تحيط بنا ونحن نخوض في محيطها!

والشياطين يتخاطفون إحدى الزانيات ويروح كل بمفرده يسُوطها!

والدموع تفيض من المآقي دون انقطاع دهورًا طويلة!

فيتعالى ضجيجنا الصخاب وكل منا يوالي نحيبه وعويله!

رحماك أيتها السماءُ العادلة!... وكفانا عذاب!

ويا أيها العلي!... أحِلْ برحمتك آلامنا إلى بهجاتٍ عذاب.

                                                بيروت، 20، ك 2، 1943