info@daheshism.com
محبة النبي الحبيب الحقيقية للمرأة وحرصه عليها:

 

المُجرم وضحيَّته

 

هي آيةٌ في الوداعةِ واللطف،

يكسوها الصِّبا فتنةٌ محبَّبة!

كانت تنظرُ إلى المستقبلِ نظرةَ الأملِ الباسم،

وتحلُم أحلامًا هانئة!

كان قلبُها الفّتيُّ يخفقُ في صدرِها الرحْبِ

خفقانَ الحبِّ والهُيام!

كانت (الدنيا) أمام مخيّلتِها الخصبةِ ورودًا قانية

ورياحينَ روضةٍ غنّاء تُعَطِّرُ الأرجاء!

ثَمِلَتْ، بعد أن طَرِبَتْ من الأناشيدِ

التي كانت تُردّدُها بشغفٍ جنونيّ!

وكيف لا تنشرحُ وهي لمَّا تتجاوز السابعَ عشَرَ ربيعًا من عمرها؟

وكيف لا تبتهجُ،

وجمالها الرائعُ حديثُ أترابها من الفتياتِ المَرِحات؟

وكيف لا تشمخُ على رفيقاتِ صباها،

ما دام الحسنُ يسيرُ في رِكابها؟

يا لشتّى الأفكارِ المتضاربة التي تمرُّ في رأسها!

تُرى، هل تُحقّقها لها الأيّام؟

***

شاءَت لها (الأقدارُ) العجيبةُ أن تلتقي شابًا لا يتجاوزُ الثلاثين.

وقد عَرَك هذا الشابُّ الدهرَ مثلما عركَه الدهرُ أيضًا.

ولم يَطُل الوقتُ حتى فاز بقلبها،

بعد تمثيله دورَ العاشِق المُدْنَف!

مسكينة!

لقد أحبته بكل ما يزخرُ به صِباها من شبابٍ صارخ،

وبكلِّ وَلَهٍ وتدلُّهٍ وجنون، وبكلِّ شوقٍ عميق!

يا لها من آهاتٍ كانت تُخرجها من أعماقِ أعماقِها!

يا لَنحيبها الصارخ عندما كانت الأحوالُ لا تُمكنها من الاجتماع به!

لقد أصبحتْ ترى الحياةَ ظلمةً دامسةً إذا لم يكن بجانبها!

ومباهجُ هذه الدنيا، دون أن يكونَ معها، لا قيمةَ لها البتّة!

رُحْماكَ، يا إلهي! وارحَمْ قلبي!

إنّني فتاةٌ ضعيفةً، مَهيضةُ الجَناح!

إرأَفْ بي، يا خالقَ الدُنى،

واجمَعْني بمني خفَقَ له قلبي حُبًّا وهُيامًا!

***

يا لهذا (الشيطان) الذي أَسَرَ بشِباكه الملعونة

هذه الفتاةَ الطاهرة!

يا لَدناءَةِ الخُطَطِ التي أَحْكَمَ وَضْعها،

 فأوقعَ بواسطتها تلك الغادةَ البريئة!

يا لأَخلاقه المنحطّة!

إنّه، لا شكَّ، إبليسً الرجيمُ الساكُن في أعماقِ الجحيم!

إنّه لم يكن ليعرف للحبِّ معنًى، حتى ولا يعترف بوجوده!

إنّه صخريُّ القلب، جلمودُ العاطفة،

يحملُ حقيدةً وضغينةً هائلتين على (المرأة)!

ولا يطيبُ له سوى إيقاع الفتياتِ العاثرات الحظّ

في أشراكِ حبِّه!

ثم؟!...

                                  ***

أنتِ! ملاكي الطاهر الذي لا حياةَ لي بدونه،

يا أعَزَّ عزيزةٍ لَدّيَّ!

أنتِ! النورُ الذي يهديني سواءَ السبيل، يا معبودتي اللطيفة!

أنتِ! إذا غبتِ عنّي غامَتِ السماءُ، وانتحبَتْ حزنًا وأسفًا!

أنتِ! ربّتي، غادتي، حياتي،

كلُّ ما آملُه في دُنياي هذه الفانية!

أنتِ! التي أرسلَتْكِ السماء، لتكوني (سَلْوتي) وعزائي!

أنتِ! إلاهتي اللعوب التي أفنى بحبّكِ،

دون أن أجرؤَ على التلفُّظ باسمكِ!

آهّ

يا ليتني أموتُ فداءً عنكِ،

يا كلَّ آمالي، ويا أُمنيّتي الفريدة!

                           ***

هذه عباراتٌ أسكرَتْها، فأفقدَتها الوّعْيَ لِلَحظات!

واأَسَفاه!

تلك (اللحظاتُ)...

أفعمَتْ قلبَها بالنشوةِ والسرور، والغبطةِ والحبور.

تلك (اللحظاتُ)... كانت كافيةً

لاَنْ تَدَعَهُ يسلبُها أعزَّ ما تملكُه فتاةٌ (طاهرةٌ) مثلها!

آه! يا لَلتعاسة!

لقد فقدّتْ (بلحظة!) ما حافظَتْ عليه أعوامًا طويلة!

وكيف؟! هل هذا شيءٌ يُصَدٌّق؟!

نعم، لقد تَمَّ ما تمّ. و(المُقّدَّر) لا يُستطاعُ رَدْعهُ

                           ***

يا للتَعِسةِ المُهَدَّمةِ الآمال!

أُندُبي حظَّكِ، أَيتَها الفتاةُ البائسة!

لقد أوقَعَتْكِ (الأقدار)

فريسةً لذئبٍ لا يرحم ولا يرقُّ له قلب!

لقد أَنشبَ بكِ مخالبَه القَذِرة،

دون أن يردَعَه رادعُ الشَرفِ والضمير!

 واستلبَ منكِ أحرصَ ما تحرصين عليه،

بكلماتٍ جوفاءَ لا معنى لها!

واهًا لكِ أيتها المنكودةُ البائسة!

لقد ذهبتِ ضحيةَ هذا المحتالِ المخاتل!

فاضرعي إلى الله أن يغفرَ لكِ.

وويحًا له من أَثيمٍ ساقط!

                                  بيروت، في 14 شباط 1941

                                  مساء الجمعة، من الساعة 11,30 – 12,30