info@daheshism.com
جوانب من شخصية النبي الحبيب وأفكاره وملاحظاته, ذكاء الحبيب في التعاطي:

 

خلجةُ نفس

 

في هذا اليوم! انفصمت حلقاتُ تلك السلسلة وتقطعت أسبابُها!

في هذا اليوم! استيقظتُ، فألفيتُني (غيري) بالأمسِ وما قبله!

في هذا اليوم! أخذَ يُخيِّمُ في سماءِ حياتي (عهدٌ جديد)

في هذا اليوم! حدّثَ طوفانٌ هائلٌ ثورتُهُ جارفة!

في هذا اليوم! تقوضتْ دعائمُ (الإيمان)،

إذ لم يستطع الثبات أمام العواصف!

في هذا اليوم! عَلَتْ شفتيَّ ابتسامةٌ مريرةٌ جوفاء

فيها سخريةٌ واستهزاء!

في هذا اليوم! وجدتُني (وحيدًا) في صحراء هذه الحياة،

(فريدًا) بين أ؛يائها (الأموات)،

في هذا اليوم! عدتُ إلى (ماضيّ) الغابر

(المليء) بأعذب الذكريات!

في هذا اليوم! استلَّتْ ميولي الحسام،

وغدتْ (حربًا) بعضُها على بعض!

في هذا اليوم! صغُرت (الحياة) في عيني،

ثم تضاءلت وتلاشت، ثم (ماتت)!

في هذا اليوم! خسرتُ أذكارًا، وربحتُ اختبارًا!

في هذا اليوم! أراني أجلسُ فوق قمّة (الحياة)،

لأشهدَ، عن كثَب، ما يُمثَّلُ فيها من تُرهاتٍ وأباطيل!

فلي هذا اليوم! ساوَرَتني شتى الأفكار،

وأخذتْ تهتزُّ راقصةً مسرورةً، لما وصلتُ إليه من حيرةٍ واضطراب!

في هذا اليوم! رأيتُني غريقًا تتقاذفُني أمواجُ الخضمّ،

باغيةً ابتلاعي!

في هذا اليوم! ساورتني أفكارٌ غريبة!

منها ما هو مُبهجٌ سارّ، ومنها ما هو مُقبضٌ للنفس، مؤلمٌ للروح!

في هذا اليوم، رقصتْ أرواحُ الشرّ أمامي،

وجعلَتْ تنظرُ إليَّ، بين الفترة والأخرى، بعيونها النارية،

وهي تتهكم بي تهكمًا لاذعًا مريرًا!

في هذا اليوم، امتلأ رأس بشتى الأمور،

مما لا عهد لي بها في السابق!

فرأيتُني وكأنني أحملُ (رأسًا) لا صلة لي به، ولا صلة له بي!

في هذا اليوم! لا أدري هل أتنفسُ الصعداء لِما قد حدَثَ،

أم يجبُ عليَّ أن أشرقَ بالغصّات، وأصعدَ الزفرات؟!

في هذا اليوم! تغيرت (ماجرياتُ)  حياتي!

ولا شيءَ يستطيعُ تغييرَ (حياة) الإنسان سوىا (الموت) الجبّار!

في هذا اليوم! قلبتُ (صفحةً جديدةً) من صفحات أيامي،

فإذا بها تختلفُ كل الاختلاف عن جميع صفحات لياليّ

في سنواتي (المضطربة) المنطوية!

في هذا اليوم! كنتُ تارةً أستسلمُ للأشجان،

وتارةً ألقي بنفسي بين أحضانِ التخيلات اللذيذة،

وصورِ الماضي العذاب!

في هذا اليوم! هتف بي هاتف:

- حذارِ أن تستسلمَ إالى الأفراح أو الأتراح،

فكلُّ شيءٍ  مصيرهُ إلى زوال!

في هذا اليوم، تكشفَ لي (لونٌ جديد) من ألوانِ (الحياة)،

لم أكن أعرفه من قبل!

في هذا اليوم! اقتطفتُ (ثمرة) جهلي العميق!

ولمّا كنتُ جائعًا، بادرتُ الى وضعِ جزءٍ منها في (فمي)،

فإذا بها تزيدُ العلقَم في مرارتها، والصابَ في طعمها وكراهتها!

في هذا اليوم! آليتُ على نفسي

أن (أُرَوِّضها) على تحمُّل المشاقٌ،

والانصرافِ عن العيش الهنيء!

في هذا اليوم! اندفعتُ نحو  (القوَّة الموجدة)،

أستلهمُها صدقَ العزيمة والثبات!

في هذا اليوم! اتّكلتُ على الله،

ودفنتُ الماضي وما يحويه من خيرٍ وشَرّ!

في هذا اليوم! اتَجهتُ بنظري نحو (المُثُل العُليا):

الفضيلة!

والحقّ!

والمحبَّة!

والخلود!

والعدالة!

والجمال!

في هذا اليوم! توجهتُ بقلبي نحو السماء!

                                                نحو الله!

                                         القدس، في 8 كانون الأول 1935