info@daheshism.com
تقدير النبي الحبيب للشهامة والأخلاق ، دعوته إلى الفضيلة وحربه مع الخطيئة:

 

نفسٌ ملتاعة

 

حزينةٌ نفسي في أشدِّ حزن، وملتاعةٌ في أعمق لوعة!

وإنَّ صخبَ هذه الحياة،

هذه الحياةِ المفعمةِ بأنواع الملاهي وضروب الملذّات،

وإن ما تزخرُ به باريس

من إعراقٍ في ارتكاب المعاصي واجتراح الآثام،

وإنّ جميعَ ما تقع عليه عيناي اللتان أذبلتهما الدموعُ الغريزة،

وقرحتهما العبرات الهامية،

وإن جميع ما كان، وما هو كائنٌ، وما سيكون

من الاجتماعات المتعددة، والمسامرات المختلفة مع رفاقِ صباي،

جميع هذه وغيرها... لن تستطيع ملءَ الفراغ الذي يُحسُّه فؤادي،

ولن تدعني أستشعرُ تلك الغبطة الخفية المكبوتة الكامنة في أعماقي!

لا، ولن تستطيعَ إثارة ما خبا في داخلي من عواطف وميول!

لا، ولن تستطيع، مهما بذلت من قوة،

قتل نزعتي، وإخضادَ شوكتي، وتخفيفَ بلوتي!

لا، ولن تستطيع – مهما حاولتْ –

كَسْبَ المعركة القائمة بيني وبينها من قديم الزمان!

بل، إن هذه المعركة ستظلُّ مندلعةَ اللهيب، حاميةَ الوطيس،

ما دمتُ في الحياة، وما خَلُدَ الشرفُ والإباء، والبؤسُ والشقاء!

نعم، إن نفسي لفي اضمحلالٍ وأُفول، وذواءٍ وذُبول!

وإنّ أيامي على هذه الأرض ليست

إلا سلسلةً من الألمِ العميق، والبؤسِ المُميت!

وإنَّ هذه المهزلة، مهزلةَ المهازل، مهزلة (وجودي)

لا أدري لها سببًا، ولا أُدركُ لها غاية!

بل إنه يتراءى لي أنني لن أقدرَ على حلِّ هذا (اللغز)

المُحاط بالتعقيد والإشكال!

وسأبقى (جاهلًا) إيّاه، كما جهلَه غيري،

وسيجهلُه مَن سيجيءُ بعدي!

وسأبقى أبدًا أَحنُّ إلى (المجهول) الخفي!، المجهول العميق

حنينَ الوالهِ المشدوه شطَّ به المَزار،

وشجاه طولُ الانتظار،

وشَفَّه عَنَتُ الاصطبار!

أوّاه! إنَّ جلبَةَ (الحياة) وضوضاءَها،

وإنَّ صخَبَ الأرض وعواءها،

جميع هذا ليُثقلُ أذنيَّ المسكينتين،

ويكاد يذهبُ ببريق عينيَّ الذابلتين!

ولِمَ لا؟ بل وكيف أُحسُّ بالطمأنينة والهدوء،

وأُذناي لا تسمعان إلا المبتذل،

وعيناي لا تقعان إلا على القبيح!

واحسرتاه لي! إنني لن (أستكين)

حتى تستكينَ ضرباتُ (قلبي)

الدائم الخفقان، المُثقل بأعباء الزمان!

وذاك – لَعمرُ الحقَّ – حلمٌ بعيدُ التحقي، صعبُ المنال،

إلى أن تشاءَ (الإرادةُ) ردّي إلى دار البقاء، دار العزاء!

                     باريس، في 23 نيسان سنة 1935