رسالة نشرتها بعض الصحف العربية
حضرة الفاضل رئيس التحرير مجلّة " العالم العربيّ "
سيّدي !
إني من عشاق مجلتكم المدافعة عن العرب والعروبة , والباذلة نشاطها في سبيل رفع معنويات هذا الشعب الذي ابتلي في هذا العصر بضربات دمويّة قصمت منه الظهر , وزلزلت منه الأركان , فاهّتز وتصدع , وكاد ينهار ذلك البنيان الشامخ الذي ناطح في حقبة من تاريخه المجيد قبة الزرقاء , واشمخّر وتطاول حتى بلغ قمّة الجوزاء .
نعم يا سيّدي !
أنا شاب عربيّ قرأ تاريخ الفتوحات العربيّة التي انطوى عهدها , فتألم ألما عظيما لما بلغته هذه الأمة العربيّة اليوم من الضعف والتفسخ والتخاذل ووددت لو يتاح لي يوما أن أقوم بعمل ما يرفع من بنيانها الذي انهار .
فكلّ منّا نحن العرب يمكنه أن يضع لبنة في بناء هذا الكيان . لأنه لو وجدت العزيمة الراسخة , والأيمان الوطيد , والمفاداة التامّة , والقناة التي لا تلين , والإخلاص الذي لا شبهة فيه , وعدم السير بركاب الأجنبيّ المستعمر , والاندفاع لمناصرة الحقّ الصريع دون غاية إلا للحق ّ وللحقّ وحده ... إذ ذاك يمكن الأمة العربيّة أن تنهض من كبوتها , وتعود الى سيرتها المجيدة الأولى , وتتبّوأ مكانها اللائق تحت الشمس . فعصرنا عصر الآلة , عصر المادّة ,عصر السرعة الجهنميّة , ومن تأخر عن القافلة السائرة داسته سنابك خيولها المسابقة للرياح العاصفة ولاشت وجوده ...
* * * *
جئت بهذه المقدمة الوجيزة لأنني أعجبت بكفاحكم المتواصل في ما تنشرونه من مواضيع التي تهمّ العرب والعروبة , ولما يعود عليها بالخير والرفاهيّة , ولأنكم تقولون الحقّ وتعلنونه بصراحة تامّة لا يهمكم في ذلك لومة لائم .
وفي عددكم أول يناير 1953 قرأت العريضة التي قدمتها السيّدة ( ماري حدّاد ) الداهشيّة لفخامة رئيس الجهوريّة اللبنانيّة كميل شمعون , وهي تتضمّن حقائق خطيرة ارتكبها بشارة الخوري , رئيس الجمهورية السابق , الذي خلعه الشعب اللبناني بعدما كثرت جرائمه وذنوبه , وتعدّدت آثامه وعيوبه , وتضخّمت صناديقه وجيوبه من مال الأمة التي نكبت به نكبة عظمى .
وصدّقني أيّها الأخّ الكريم بأنّني لو لم أكن أنا شخصيّا قد اطّلعت ( عندما كنت منذ عامين في لبنان ) على سلسلة الجرائم الرهيبة التي اقترفها بشارة الخوري الطاغية ؛
ولو لم تتح لي الصدفة أن أطّلع على مقدار الاضطهاد العنيف المخيف الذي أوقعه بشارة الخوري على الداهشيّين الأبطال الذين رفعوا على بشارة الوصولي راية العصيان ، وراحوا يقذفونه بمقنبلاتهم الرهيبة التي ضمّنوها كتبهم السوداء الهائلة الاتّهامات الصادقة ، لو لم أعرف كلّ ذلك شخصيّا ، ولو لم أتأكّد تأكّدا تامّا لا شبهة فيه ، لاستعظمت ما نشر في عددكم الأخير .
أمّا وانّني كما قلت ( وللصدفة يد في معرفتي ذلك وقتذاك ) مطّلع على جميع الجرائم التي ارتكبها ذلك الباغية ، فقد وجدت أن عريضة السيّدة المجاهدة ماري حدّاد معتدلة جدّ الاعتدال ، وليس فيها ما يجرح سمعة الطاغية مثلما كان يستحقّ ، بالنسبة لأعماله الشرّيرة . وليس في العريضة ما يكشف الباغية كشيطان أثيم ضجّت منه أبالسة الدجنّات المدلهمّة ...
انّ ما ارتكبه الطاغية من أعمال رهيبة تتبرّأ منه الانسانيّة المنكوبة بمثله . ففي جعبتي أيّها الكاتب الأديب من المآسي التي تمّت على يديه ما لا تسعه المجلّدات ضخمة . وعندما تنشرون تحريري هذا ، أرسل اليكم بالتتابع عيضا من فيض ممّا اجترحته نفسه الخسيسة من صغائر ، وما جنته يداه ( تبّت يداه ) من منكرات وكبائر ...
لقد اعتدى على نساء مثيرات ...فسفح شرفهنّ على مذبح شهوته الآثمة الملطّخة . واستعمل نفوذه في سبيل بلوغه لأربه الوضيع ، فضلا عن تهريبه لأموال الشعب بواسطة زوجته التي أرسلها الى أميركا وفرنسا وانكلترا وبلجيكا وسويسرة ...فوضعت في مصارفها ثروات طائلة امتصّها هذا السارق من مال الأمّة ...فيا ويحه ما أرهب انعدام صميره !
كما انّه ابتاع مزرعة في كاليفورنيا بلغت قيمتها ستّة ملايين دولار ، وقد كتبت الصحف الأميركية واللبنانيّة عن هذه المزرعة الشيء الكثير ، وقالت في بشارة الخوري ما لم يقله مالك في الخمر ....
وان أعجب لأمر – أنا وكلّ من عرف بمباذل بشارة الخوري وسرقاته – فعجبي هو لماذا لا يحاكم هذا السارق ، ويحكم عليه بالسجن المؤبّد ، وارجاع الاموال المنهوبة الى الأمّة المسلوبة ...عفوا قلت يجب أن يسجن ، والحقيقة يجب أن يشنق !
انّ في هذا الأمر لسرّا مكنونا . وكلّ مكنون سيعلن . وليس خفيّ الاّ وسيظهر مهما كانت أسباب كتمانه على ظهر الأمّة ، ومهما كانت أسبابه ومسبّباته ....
وليته اكتفى بالسرقة ، واللصوصيّة ، والاعتداء على أعراض المحصّنات وخرقه للدستور ، وتحطيمه للقانون ، وافساده لضمائر القضاة والقضاء ...
كلاّ . لم يكفه ذلك ، اذ شنّها حربا شعواء على الداهشيّين لأنهم آبأنّ محمّدا نبيّ مرسل ، وأنّ قرآنه الكريم منزل .
انّ تعصّبه الكاثوليكي الذميم أملى عليه أن يضطهد حتى شقيقة زوجته ، وهي الأديبة الفنّانة المعروفة السيّدة ماري حدّاد الداهشيّة لأنها آمنت بنبيّ الاسلام وبقرآن محمّد ، فالله اكبر ! الله اكبر !
انّ سيّدة نبيلة تسجن لأجل ايمانها بالاسلام ، ويقف الاسلام مكتوف اليدين أمام جريمة رهيبة كهذه ...
سيّدة نبيلة وعائلتها تسام الذلّ والخسف ، وتذوق عذاب السجون ، وتتمرّغ على فراش الألم والمهانة ، وليس في دنيا الاسلام من يمدّ يده وينشلها من محنتها الرهيبة ؟ ترى هل نحن في القرون المظلمة وفي عصر محاكم التفتيش الدمويّة ، أم نحن في القرن العشرين عصر النور والمدنية والحرية الفكرية كما زعموا ويزعمون ؟
واخجلاه ! وواعاراه ! اين هو الاسلام لا يثب على ذلك الوصوليّ المجرم فيمزّقه تمزيقا ، ويجعله عبرة للمستهزئين بالاسلام الحنيف ، دين الهداية والانصاف ؟
واويلتاه من حكم التاريخ الذي لا يرحم !
اين هم الذائدون عن حياض الدين ؟ وما لي أراهم صامتين صمت القبور حتى يوم النشور ؟
ولم لا يحرّكون ساكنا ولا يتحمّسون ( أتراهم أحياء أم هم أموات لا يستيقظون ) ؟
لقد كنتم أنت أوّل من نشر عن هذا الوصوليّ المرتكب يا سيّدي . شكرا لكم على جرأتكم التي هي جزء لا يتجزّأ منكم . وثقوا بأنّ التاريخ سيذكر لكم هذه الجرأة الواجبة في نشر الحقّ واعلان الحقائق ، واذاعة ما خفي من أمر بشارة الخوري وزوجته لور وشقيقها ميشال شيحا وقريبهم هنري فرعون .
هذا ( الأقنوم الرباعي ) الذي بغى وطغى وثار بتعصّبه الذميم على الفئة المسيحيّة البريئة المجاهدة التي آمنت بنبيّ المسلمين وقرآنه المبين ، هذا ( الأقنوم الرباعي ) المتعصّب نكّل بها لأنّه يكره الاسلام والمسلمين كراهية عمياء هوجاء ، لا يستطيع قلمي أن يصفها على الاطلاق .
فمن الحقّ والعدالة أن تشنّ على هذا الباغية المجرم حملة صحفيّة مزلزلة تقوّض له أركان تعصّبه الذميم ضدّ الاسلام والمسلمين ، فتعصف هذه الحملة الصادقة بتعصّبه الأرعن وتؤدّبه تاديبا يستحقه عن جدارة تامّة هو ومن آزره وناصره من رجال الدين ومن ذكرتهم أجمعين .
واذ أختم مقالي ، أكرّر لكم شكري على غيرتكم المشكورة واندفاعكم لمناصرة الحق الذي هو شعار مجلّتكم الحرّة الجريئة التي هي منبر مفتوح لكلّ متظلّم من أيّ حيف وصل اليه ، أو ظلم وقع عليه .
سدّد الله خطاكم في هذا الطريق النبيل .
محمود المصطفى
Back To الدكتور داهش والداهشيَّة في الصَّحافة