صوت داهش
السنة الرابعة، العدد الثالث، كانون الأول 1998
الأزمات العالمية
هي نتيجة تدهور القيم الروحية
في الأشهر القليلة الماضية، تركَّز اهتمام وسائل الإعلام العالميَّة على أربع أزمات كبيرة:
أولا، اجتاح الرليس الصربي المدن والقرى التي بسكنها مسلمون يطالبون بحقّ تقرير المصير في کوزوفو مُخلِّفاً آلاف القتلی و مئات ألوف المهجَّرين، إن التسامح الديني والإتني لا مكان له في نفس رئیسٍ پستبدُّ به التعصُّب والتجبُّر.
ثانياً، إن أثرياء روسيا الجشعيين الذين يتحكَّمون بقطاعات واسعة من الاقتصاد هجَّروا معظم أموالهم، واستطاعوا أن يتهرَّبوا من دفع الضرائب عليها. فكانت العاقبة الهبوط الكبير لقيمة الروبل، وعجز الحكومة عن دفع الرواتب لملايين من الجنود والمعلمين وعمال المناجم والأطباء والمتقاعدين . . . زِدْ إلى ذلك أن فريقاً من المحقِّقين العسكرين اكتشفوا أن الافاً من الجنود الروس كان يُقدَّم إليهم طعامُ الكلاب، وأن ألف طن من الأطعمة الحيوانيَّة كانت مهيأة لهم کيخنات جاهزة؛ الأمر الذي دفع كثيرين إلى الفرار من الجنديَّة للتسوّل في شوارع موسكو.
ثالثا، في إندونيسيا، البلد الإسلامي الأكبر ( ۲۰۰ ملیون)، ظهرت فجاة أعراض المرض المُزمن الكامن في ثورة منظمة خلفت أكثر من ألف قتيل، ومئات النساء المغتصبات، وجعلت خمسة آلاف مبنى أنقاضاً. السبب الذي أوقد الفتنة هو الفساد المستمر الذي كان الرئيس يحميه ويشجّعه: نهبٌ مُنظم لبلايين الدولارات التي كانت توزَّع على أولاده وأنسبائه بشكل اتفاقيَّات. أما النتيجة فكانت إجبار الرئيس على الاستقالة، وانهيار الاقتصاد، وإصابة الأقليات الصينية ( 5 ) الجشعة التي كانت تسيطر على 70% من الإقتصاد تحت حماية الرئيس ( بسبب مصالحها المشتركة معه) بالأضرار الأفدح.
رابعا، في الولايات المتحدة أنزل الرئيس المهانة في شخصه ومنصبه بسلوكه المستنكر الذي انتهك المبادئ الخلقية التي قدستها جميع الأديان. والفضيحة قسَمَت الأمريكيين: فكثيرون منهم يعتقدون أن مكانة القيادة لا يمكن فصلها فصلاً تاماً عن أخلاق الرئيس وسلو که؛ فالزعماء الفعَّالون هم الذين يتمتَّعون بقدرة على إلهام مواطنيهم بأهمية القيم الروحيَّة. لكن كثيرين آخرين يرون أن الزعماء السياسيين لا توزنُ قيمتهم بمیزان السلوك الخلقيّ الشخصيّ فحسب، بل بمقدار ما يتمتَّعون به من قدرة على القيام بمهمة نبيلة هي إجراء العدالة في شعوبهم أيضا. فإذا وجب علينا أن ندين كل تصرف غير خلقي، فعلينا أيضاً أن نؤمن بضرورة التسامح والصّفح، خصوصاً بعد جهر المذنب بندمه وتوبته. ذلك فضلاً عن أنه من حقوقنا أن نتمسَّك بحقِّنا في حرمة الحياة الخاصة. ( أنظر أخبار عالميَّة » ص ۸۸ )
أخيرا، لا بدَّ من السؤال: أليس تدهور القيم الروحيَّة من جرّاء تعزیز القيم الدنيويَّة هو المسؤول عن معظم الأمراض الاجتماعيَّة الحديثة، من تفاقم الجرائم إلى تناقص الآداب العامة، والجشع غير المحدود، ومحاباة الحكام للأقارب والأنصار، والعروض التليفزيونيَّة الجنسيَّة، بل حتى إلى عدم اهتمام الشعب بالاتِّهامات الخُلقيَّة الموجهة ضدَّ رئيسه؟
الحق أننا نشهد نتيجة تدهور القيم الروحيَّة في مختلف أرجاء العالم. فالإباحية الخُلقيَّة قد اجتاحت الحكومات ووسائل الإعلام والفنون الإبداعيَّة والجامعات، بل حتى المؤسَّسات الدينيَّة، لا في الغرب فحسب، بل في البلدان الشرقية أيضا. ولن نستطيع أن نبرأ من أمراضنا الاجتماعية إلا بالعودة إلى القيم الروحيَّة التي علَّمها الأنبياء والهُداة الروحيون. ( أنظر " الرقي الروحي: معاييره وأبعاده في مفهوم مؤسِّس الداهشيَّة “ص 5) *
هيئة التحرير