info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الأولى العدد الرابع  أذآر 1996

 

صوت داهش

السنة الأولى العدد الرابع  أذآر 1996

 

هل الحضارة الغربية في أزمة؟

 

حسب تقارير منظمة الصحة العالمية ازداد الانتحار ازدیاداً مُطرداً في الدول الغربية المتقدِّمة منذ بداية الخمسينات، ولا سيَّما بين المراهقين والشبان، إذ بلغت نسبة الانتحار بين هؤلاء ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام ۱۹۵۰ في الولايات المتحدة مثلاً. وأسفرت الدراسات الإحصائية الأخيرة عن أن حـوالی ۳۰٫۰۰۰ رجل وامرأة ينتحرون سنوياً في أمريكا، وعن وقوع حوالى ۲۵,۰۰۰ جريمة قتل سنوياً فيها، و بلوغ عدد الأمهات اللواتي بلا زواج حوالى عشرة ملايين، وتجاوز عدد الوفيات من الإيدز ربع مليون؛ ذلك فضلا عن الأخبار السوداء الوافرة عن الأحداث الأمريكيين. (انظر " الأرقام تتكلم في هذا العدد ص ۹۲ ).

 

وتبعاً لِما ذهب إليه هِرنستاين وموراي Hernstein & Murray في كتابهما حنيَّةُ الجرس“ The Bell Curve (انظر مراجعة له في الصفحة ۷۷ ) الذي أحدث ضجّة هائلة في مختلف الأوساط، فإن تدنّي القدرة العقلية في قطاعات واسعة من الشعب سبب مهمٌّ من أسباب البطالة والفقر والإساءة إلى الأطفال وتفكّك العائلات، وبالتالي سببٌ خطير في اشتداد موجات المخدَّرات والإجرام، وارتفاع نسبة الولادات غير الشرعيَّة ارتفاعاً مُروِّعاً بلغ ۳۰ ٪ عند البيض و ۷۰ ٪ عند السود من مجمّل الولادات . لكنَّ كثيرين من الباحثين - أبرزهم وليم بنيت W.، Bennett وزير التربية السابق في الولايات المتحدة، وصاحب كتاب خفض القيم في أمريكا ، The De-Valuing of America" S. Carter وستيفن كارتر" أستاذ القانون في جامعة بال Yale وصاحب کتاب ثقافة الجحود The Culture of Disbelief أخذوا يؤكدون أن وراء المعضلات الخلقية والاجتماعية والأزمات النفسية والعقلية في الغرب، في أمريكا، تكمن أزمة حضارية تتمثَّل في أن المدنيَّة الغربية على التقدم التكنولوجيّ والسعي الحثيث لجمع المال فشلت في منح الإنسان الغربي، ولا سيما في الولايات المتحدة، معنى لحياته، وانتماء لهويته، وغاية لمساعيه، وقيماً روحيّة يؤمن بها، ويعيش من أجلها ويشعر بالطمأنينة النفسية بممارستها.

 

ويلاحظ الباحثون أن المجتمع الأمريكي أصبح مهدَّدا بالانقسام والتشردم والانحلال بتأثير النزعة الماديَّة الشديدة التي جعلت كل فئة إتنية أو دينية تسعي إلى تأمين مصالحها المادية أولا، كما بتأثير النزعة الفردية المُغالية التي تجهل أو تتجاهل الأحكام الخلقية والقِيَميَّة العامَّة، والتمييز بين الحقّ والباطل، لأن ما يهمّها بالدرجة الأولى هو إشباع سريع للحاجات الحسيّة والجنسيَّة، وانتهاب للذائذ المادية المؤقتة دونما نظر إلى وخیم عواقبها؛ حتى إن هذا الوضع اتَّخذه بعض الزعماء السياسيين في الشرق الأقصى ذريعة لإظهار وهن الحضارة الأمريكية الحالية وعدم صلاحها لقيادة العالم. (أنظر "أخبار عالمية في الصفحة ۹۹ ).

 

إن الثقافة الفارغة من النسغ الروحيّ، المركّزة على الأنا الفردية ستنتهي بالأجيال الطالعة إلى الشعور بالفراغ والضياع واليأس، لأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش باطمئنان ما لم يكن له معقدُ أمل وعزاء في الخلود الروحي وفي المطلق واللانهائي. فعسى اليقظة الروحية تنداح دائرتها لتشمل مزيدا من الأمريكيين والأوروبيين، فيتدارك الإنسان الغربي حضارته ويدعم صرحها بالقيم الروحيَّة، قبل أن تبدأ مداميك بنائها الشاهق بالتصدع فالتفتُّت فالانهيار. ومَثَلُ روما، في التاريخ، صادع فاجع.

 

رئيس التحرير

د. غازي براكس