info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "إبتهالات خشوعيَّة"

إبتهالات خشوعيَّة

 

صلاة محزون

 

آه! تبـارك اســمك ، يا الله!

يا إلهـي!

لقـد تحطــم قلبــي، و نـاحــت مناي نفســي...

يا إلهــي!

لأننـي شــاعر بعــبء الأوزار المثقــل بهـا عاتقــي،

و مـا تـزال فـي ازدياد...

يا إلهي!

و عالم بأنني أستحق عليها العقاب الصارم الشديد...

يا إلهي!

و عارف بأنني لا أستحق الرحمة و الرأفة و الإشفاق...

 يا إلهي!

و واثق بأنني ارتكبت من المعاصي و الشرور الشيء الكثير.

يا إلهي!

حتى وصاياك العشر حطمتها و بعثرت أشلاءها في كل مكان!

يا إلهي!

و الموبقات التي أتيتها طائعاً مختاراً، لا عد لها و لا حصر!

يا إلهي!

و خضت في بحر الجريمة السحيق الغور، البعيد القرار،

قائصاً في أعماقه، طافياً فوق أعاليه!

يا إلهي!

و أتوّن الشهوات الملتهب دخلت جوفه و انغمست فيه.

يا إلهي!

و تغلغلت في مجاهل الغيّ و العماية ، و الضلال و الغواية.

يا إلهي!

و شربت من خمرة إبليس الرجيم فاستسغت حلاوتها العلقمية!

يا إلهي!

و تفيأت ظل شجرة ( معرفة الخير و الشر) الجميلة المنظر...

 يا إلهي!

ثم مددت يدي و قطفت من ( ثمارها) الشهية المحرمة.

 يا إلهي!

ثم أشبعتها من المنكرات ما هو معروف منها و مجهول!

 و لكني بشري ، يا الله.

و الجنس البشري – كما تعلم-  ضعيف كل الضعف.

إنه لا يستطيع صد التيارات العاصفة

التي يحارب بعضها بعضاً...

 لا، و لا يستطيع دفع تلك الجيوش المندفعة بسلاحها الكامل،

فيسقط صريعاً بنبالها المسددة

بعد جهاد مخيف شاق دام،

و يصبح في قبضة آسريه، و أنفه في الرغام!

و بعد ذلك يقوم صاغراً بما يمليه عليه آسروه الأقوياء،

فينغمس في معالم الرذيلة،

ناسياً أو متناسياً ما هي الفضيلة.

يا الله!

في أحلامي دعوتك فلم تستجب لدعائي،

و في أعماق الليل البهيم نحن بمرارة،

و أهرقت دماء قلبي النائح.

يا إلهي!

بمرارة، و توجع، و عمق، و لوعة، و اندفاع، كانت صلاتي:

كالأم الثاكل التي فقدت بموت وحيدها كل أمل و رجاء،

كالملك الذي ثل عرثه،

فأصبح شريداً طريداً، أنيس العناء، سمير الشقاء،

بل كالشقي المكبل بالأصفاد، المسوق إلى ساحة الإعدام،

نعم، كالغريق الذي لم يبق فيه رمق من حياة،

و لم يبق له أمل بالنجاة،

آه!.. و كالمحتضر الذي تتنازعه قوتا الموت و الحياة،

آه! و كالتائه في البيداء لا يدري في أي طريق يسير،

آه! و كالفتى في الصحراء لا يدري ما نهاية المصير،

 آه! بل كالذبيح المهدور الدم و هو يلفظ نفسه الأخير،

بل كالفاقد ما جمعه طوال سني حياته، في لحظة واحدة!

إنني يائس كل اليأس، يا إلهي،

يائس و بائس، يا إله السماوات!

و لكن رجائي فيك عظيم و عميق جداً،

و عمقه لا حد له و لا نهاية!

و أنت بحالتي عليم، يا الله!

أنت، يا إلهي، ارحمني، ارحمني!

 

القدس، في 8 كانون الثاني 1935

 

سلام

 

سلام على ذلك العالم الروحي المضيء الخالد!

سلام على تلك الأنوار الدائمة السطوع!

سلام على ذلم المجد الإلهي الفائق البهاء!

سلام على تلك الديار التي احن إليها أبداً!

 سلام على ذلك الملأ السرمدي الطاهر!

سلام على قاطنيه الأبرار، المعاينين  انواره الباهرة السنية!

سلام على العالم المجهول الذي لا خباء له و لا افول!

 سلام على تلك الأماكن الأرجة العبير!

سلام على من مكنتهم قدسيتهم

من ولوج ذلك المكان الحصين الامين!

سلام على من الضطهدوا و عذبوا في سبيل عقيدتهم الثابتة الحقة!

سلام على من ذاقوا الهوان، و شربوا كأسه المريرة حتى ثمالتها!

سلام على أرواحهم السعيدة من الأزل إلى الأبد!

سلام أنثره على هذا الطرس

من قلب كسير خافق، حزين مكلوم ممزق!

سلام على عالم غير عالمنا المادي المرذول!

سلام عبق فواح عطري، لا مادي موبوء قذر!

سلام أبدي إلى أحكامه العادلة النافذة!

 سلام من عالمي الحقير هذا،

أرسله إلى ذلك العالم العظيم السامي!

سلام من مسكين ملأ الكون بآثامه،

وهو يضرع إلى الله أن يغفر له آثامه تلك، و أن يسعه بمراحمه التي شملت الكائنات و طغت عليها.

نعم، سلام، سلام، سلام!

 

باريس، في 23 نيسان 1935

 

 

 

كلمة عام 1935

 

لقد توارى عام 1935 بآلامه المبرحة،

و شؤونه المدلهة، و أحداثه القاتمة المرعبة.

و ها انا ألج باب العام الجديد بقلب واجف خافق،

و نفس حزينة  حيرى،

و روح تائهة في فضاء المجهول،

و دموع مدرارة حرى،

و كيان تتوزعه شتى الميول المتضاربة،

و جسد يتنازعه كثير من الرغبات غير المستحبة...

و لكني أشعر في قرارة نفسي

بصوت جبار تهتز منه أعصابي،

و ينخلع له فؤادي،

و هو يهيب بي لأن أسحق تحت موطئ قدميّ

أفاعي التمنيات المرعبة الشوهاء،

و أن أقوض جميع الأعمال الغير المرضية

التي حاكتها يدي تحت جناح ليالي العام البائد،

و أن احاول جهد المستطاع،

أن أتغلب على ضعفي البشري الموروث،

و أن  لا أقدم على أعمال

يتندى لها جبيني خجلاً و حياءً،

و كيلا أقف يوماً أمام نفسي الخفية الحكيمة

موقف الذل و المهانة،

و هي تحاكمني على ما اقترفته

من إثم رهيب و نقيصة بالغة،

ثم تحكم عليّ بعذاب الضمير عذاباً أبدياً، و آلام الروح آلاماً سرمدية،

ثم الابتعاد عن وجه النور،

وجه الحقيقة،

وجه السعادة،

وجه السناء،

وجه البهاء،

وجه الأمل العذب المرتجى،

وجه ما ينشده  الماء و الهواء و الفضاء و السماء،

وجه من يتطلع إليه جميع الأحياء دون استثناء،

وجه من تتمناه جميع المخلوقات معروفها و مجهولها،

وجه الحقيقة الحقة العادلة،

وجه الخالق عز و جل.

اللهم قوني، و سدد خطواتي نحو طريق الفضيلة و الكمال،

و لا تحجب نورك المرشد من امامي،

كي لا أتعثر، بعد ذلك، في

طريق الظلام الشامل،

و كي لا أقاد على مهاوي الجريمة و الفساد،

ودعني بقوتك الإلهامية،

أن أسير سيراً ترضاه الفضيلة و تطمئن له أعماقي الخفية،

فأسعد، بع\د انقضاء أيامي القصيرة المحدودة،

و أذهب هناك حيث لا كآبة و لا عناء،

بل كل سعادة و هناء.

 

31 كانون الاول 1935