info@daheshism.com
فقدان العدالة وثورته على المظالم:

 

من رسالة إلى صديق

 

 يا صديقي،

إن حياتي أصبحت عبئًا ثقيلاً أنوءُ تحته.

لقد غمرَني الشقاءُ، وطغى عليَّ فكاد يُودي بي!

ما هي الحياةُ حتى أُعيرها اهتمامي؟ أليست هي السخفَ بعينه؟

لِمَ يتشبَّثُ البشرُ بهذه الفانية الحقيرة؟!

لِمَ يتكالَبُ بنو الأرض، ويبذلون كلَّ مُرتَحصٍ وغالٍ في سبيل البقاء؟

ألا يعلمون أنَّ حياتهم كعاصفةٍ هبتْ قليلاً ثم تلاشت،

فتلاشوا معها وكأنهم ما كانوا؟!

يا لَجهلهم الصارخ، يا صديقي!

بل يا لَتعسهم وشقائهم! بل يا لَقِصَرِ مداركهم!

لماذا يسعون في الاهتمام بأمورهم الشخصية،

ولا يُفكرون بالمساكين المُعوِزين؟

لِمَ لا يُخفّفون آلامهم وويلاتِهم ويُؤاسونهم في مِحَنهم؟

لِمَ لا يَضعون البلسمَ على جراح أفئدتهم الكسيرة؟

أَوّاه! يا صديقي! ألسنا نعيش على الأرض؟

وهل في الأرض عدالة؟

كلاّ، إنّها كلمةٌ فقط!

إنّها معنًى مجازيّ،

إنّها لفظةٌ خُرافيّة، ورابعةُ الغولِ والعنقاءِ والخلّ والوفيّ!

ولا إخالُكَ إلا تُقرُّني على كلامي دون حِجاج.

إنَّ الحق للقوة، يا صديقي.

والظلمُ  عَمَّ أرجاءَ الكون، وطغى على كلِّ ما سواه!

أنا أُنكرُ عدالة الأرض لأنّها مفقودة!

إنّني أطلبُ الانعتاق من سجني كي أتحرَّر من قيود المادَّة الثقيلة.

وتراني أحنُّ إلى الساعة التي أَنبذُ فيها هذه الأرضَ الملعونة،

إذْ أُخلِّقُ في أقاصي الفضاء،

هناك حيث الهناء، حيث السرورُ، حيث النور،

حيث الحرّيةُ والسعادةُ، حيثُ الحبُّ والعدل،

حيث الخلودُ السرمديُّ، الأبديُّ، الأزليُّ، اللانهائيّ!

أستودعُكَ الله، يا صديقي العزيز،

وإلى اللقاء على أبواب الأبديَّة!

                                                       القدس، آذار 1934