info@daheshism.com
صلواتٌ خشوعية:

 

صـــلاة الفجـــر

 

إتبعينــي, يـا بنيّتـــي,

لنذهــب إلـى ( بيــت اللّـــه )

نرفــع لـه الصلــوات الصــادرة مـن قلــوب أفعمتهــا الأحــزان,

وتآمــرت عليهــا حــوادث الزمــان .

هيّـــا إسرعــي, يـا بنيّــة,

قبـل أن ينبلــج الفجــر,

وترسـل عــذارى النــور خيوطهــنّ المتألّقــة,

فتبــدّد هــذه الظلمــات المتكاثفــة .

هيـا يـا بنيّــة,

أنصتــي جيّــداً ...

ألا تسمعيــن خطــوات النّســوة,

وهـنّ يســرن بسكــون فـي الطريــق,

ذاهبــات حيـث ( بيـت اللّـــه ),

ليقدّمـن لـه طلباتهــنّ,

ويستغفــرن عمّــا آتينــه مـن ذنــوب وأســرار خفيّــة

يكتمنهــا حتـى عـن أنفسهــنّ ؟

أسرعــي أسرعــي,

فإنّ الدقائــق تمرّ متتابعــةً , وتلحــق بهــا الساعــات متسابقــة .

هيّـــا قـبل أن يولّـي الوقـت, ويأتـي الفــوات .

هلمّــي لنضــرع إلــى العلــيّ ليباركنــا .

أسرعــي, أسرعــي . مـا بــالك  تتوانيــن ؟

أولا تعلميــن أنّــه لـم يبــق مـن الوقــت

سـوى مـدّة قصيــرة لا تفــي بمـا ينبغــي ؟

***

دعينـا نجثــو فـي المعبــد بإحتــرام,

ونــقدّم إلـى الخالــق عـزّ وجـلّ كـلّ مـا تجيــش بـه دخائلــنا

مـن مــيول ورغــائب مكــنونة مستــورة .

فـي الصــلاة عــزاء, يـا بنيــّة .

إنّهـا فرصــة لا تتــاح كـلّ حيـن,

فأسرعــي معـي , هيــّا , هيــّا .

لنــترك شــرور هــذا العالــم ومــا فيــه,

عنــد تطلّــع قلوبنــا إلـى السمــاوات .

لنتنــاس الهمــوم والأتــراح والمنغصــات,

وكــلّ مــا فـي هــذه الحــياة .

لننــس ويلاتهــا وشرورهــا .

لننــس آثامهــا وغرورهــا .

لنتنــاس كـلّ شـيء , يـا بنيّتــي, ونتّجــه نحــو القديــر,

فنشعــر بالسلامــة والسكينــة تخيّمــان فــوق رؤوسنــا,

ونستشــفّ العذوبــة الروحيّــة,

وتستكيــن قلوبنــا المتألّمــة مـن هـذه الحيــاة, فنسعــد,

وإن كنّا ما نزال, بعد, في الحياة !

أنصتي جيّداً, إنّها أناشيد سماويّة !

إنّهـم يرفعــون كلماتهــم المصوغــة فـي قالـب شعـريّ

يسبّحــون بهــا خالــق السمــاوات وباســط الأرض

كي يغفـر لهـم مـا أتــوه مـن أعمـــال

يستحقّــون عليهــا الحســاب .

أنظــري إلــى عيونهــم كــيف أقفلــت,

وتمعّنــي فـي ملامــح وجوههــم , وفـي أساريــر جباههـــم .

إنّهــا تــدلّ علـى خشــوع كلّــي أمــام الخالــق العظيــم !

فلنخشــع , يـا بنيّتــي,

ولنضــرع إلـى اللّـــه

كـي يزيــل عنّا هــذه الأوزار المثقّلــة بهـا ذواتنــا,

مـن ساعــة ولادتنــا إلـى ساعتــنا الحاليّــة,

وحتـى يأتينــا داعــي المــوت فنذهـب إلـى حيـث ينتظرنــا العقــاب .

أسجــدي, أسجــدي, أيّتهــا الطاهــرة,

لأنّك مـا تزاليــن صغيــرة السـنّ, يـا طفلتــي العزيــزة !

ليتنــي مثــلك, يـا فتيّــة .

إنّـك مـا تزاليــن نقيّــة .

فاحرصــي علــى طهارتــك كــي تبقــي كالحمامــة الوديعــة .

لا تدعــي الشــرّ يتغلّـب عليـك, يـا بنيّــة .

لا لا , وأبعـدي الأفكــار الرديئــة إذا مـا ساورتــك .

***

هـا هـي خيــوط الفجـر قـد إبتـدأت ترســل أشعّتهــا النورانيّــة,

فتبــدّد الظلمــات المكتنفــة الهيكــل .

أكملــي صلاتــك, يـا بنيّتــي,

قبــل أن يعــمّ النــور أرجــاء هـذا المكــان المقــدّس .

أنظريهــم يغــادرون أماكنهــم مسرعيــن,

بعـد أن أنهــوا فروضهــم الدينيّـــة .

هـا قـد إحتــلّ النــور أرجــاء المعمــور .

هــا قـــد لبــس المعبـد حلّــة بهـاء وسطـوع وصفــاء ,

فهيّــا بنـا, يـا بنيّــة, نرجــع إلـى منازلنــا .

ويـا لحيــاة الإنســان !

إنّهــا أحلام تمـرّ بنـا ونحــن لا نــدري !

أنظــري,

ألــم نكــن قبـل أن نجــيء إلـى هــذا المكــان

نــرى الظــلام يعــمّ الأرجـــاء ؟

ولكـن , أنظريــه أيــن هــو الآن ؟

هــا قــد تبــدّد وكأنّـه مـا كــان .

وهكــذا سيحــلّ فـي المســاء, كمــا اعتــــاد,

وسيولّــي هـــذا النهـــــار .

وهكـــذا حياتـــنا تنقضــــي .

فمــا أشبههـــا بتوالـــي الأيّــام, وكــــرور الأعـــــوام ! ..

 

القدس, 27 كانون الثاني 1934