
صـــلاة الفجـــر
إتبعينــي, يـا بنيّتـــي,
لنذهــب إلـى ( بيــت اللّـــه )
نرفــع لـه الصلــوات الصــادرة مـن قلــوب أفعمتهــا الأحــزان,
وتآمــرت عليهــا حــوادث الزمــان .
هيّـــا إسرعــي, يـا بنيّــة,
قبـل أن ينبلــج الفجــر,
وترسـل عــذارى النــور خيوطهــنّ المتألّقــة,
فتبــدّد هــذه الظلمــات المتكاثفــة .
هيـا يـا بنيّــة,
أنصتــي جيّــداً ...
ألا تسمعيــن خطــوات النّســوة,
وهـنّ يســرن بسكــون فـي الطريــق,
ذاهبــات حيـث ( بيـت اللّـــه ),
ليقدّمـن لـه طلباتهــنّ,
ويستغفــرن عمّــا آتينــه مـن ذنــوب وأســرار خفيّــة
يكتمنهــا حتـى عـن أنفسهــنّ ؟
أسرعــي أسرعــي,
فإنّ الدقائــق تمرّ متتابعــةً , وتلحــق بهــا الساعــات متسابقــة .
هيّـــا قـبل أن يولّـي الوقـت, ويأتـي الفــوات .
هلمّــي لنضــرع إلــى العلــيّ ليباركنــا .
أسرعــي, أسرعــي . مـا بــالك تتوانيــن ؟
أولا تعلميــن أنّــه لـم يبــق مـن الوقــت
سـوى مـدّة قصيــرة لا تفــي بمـا ينبغــي ؟
***
دعينـا نجثــو فـي المعبــد بإحتــرام,
ونــقدّم إلـى الخالــق عـزّ وجـلّ كـلّ مـا تجيــش بـه دخائلــنا
مـن مــيول ورغــائب مكــنونة مستــورة .
فـي الصــلاة عــزاء, يـا بنيــّة .
إنّهـا فرصــة لا تتــاح كـلّ حيـن,
فأسرعــي معـي , هيــّا , هيــّا .
لنــترك شــرور هــذا العالــم ومــا فيــه,
عنــد تطلّــع قلوبنــا إلـى السمــاوات .
لنتنــاس الهمــوم والأتــراح والمنغصــات,
وكــلّ مــا فـي هــذه الحــياة .
لننــس ويلاتهــا وشرورهــا .
لننــس آثامهــا وغرورهــا .
لنتنــاس كـلّ شـيء , يـا بنيّتــي, ونتّجــه نحــو القديــر,
فنشعــر بالسلامــة والسكينــة تخيّمــان فــوق رؤوسنــا,
ونستشــفّ العذوبــة الروحيّــة,
وتستكيــن قلوبنــا المتألّمــة مـن هـذه الحيــاة, فنسعــد,
وإن كنّا ما نزال, بعد, في الحياة !
أنصتي جيّداً, إنّها أناشيد سماويّة !
إنّهـم يرفعــون كلماتهــم المصوغــة فـي قالـب شعـريّ
يسبّحــون بهــا خالــق السمــاوات وباســط الأرض
كي يغفـر لهـم مـا أتــوه مـن أعمـــال
يستحقّــون عليهــا الحســاب .
أنظــري إلــى عيونهــم كــيف أقفلــت,
وتمعّنــي فـي ملامــح وجوههــم , وفـي أساريــر جباههـــم .
إنّهــا تــدلّ علـى خشــوع كلّــي أمــام الخالــق العظيــم !
فلنخشــع , يـا بنيّتــي,
ولنضــرع إلـى اللّـــه
كـي يزيــل عنّا هــذه الأوزار المثقّلــة بهـا ذواتنــا,
مـن ساعــة ولادتنــا إلـى ساعتــنا الحاليّــة,
وحتـى يأتينــا داعــي المــوت فنذهـب إلـى حيـث ينتظرنــا العقــاب .
أسجــدي, أسجــدي, أيّتهــا الطاهــرة,
لأنّك مـا تزاليــن صغيــرة السـنّ, يـا طفلتــي العزيــزة !
ليتنــي مثــلك, يـا فتيّــة .
إنّـك مـا تزاليــن نقيّــة .
فاحرصــي علــى طهارتــك كــي تبقــي كالحمامــة الوديعــة .
لا تدعــي الشــرّ يتغلّـب عليـك, يـا بنيّــة .
لا لا , وأبعـدي الأفكــار الرديئــة إذا مـا ساورتــك .
***
هـا هـي خيــوط الفجـر قـد إبتـدأت ترســل أشعّتهــا النورانيّــة,
فتبــدّد الظلمــات المكتنفــة الهيكــل .
أكملــي صلاتــك, يـا بنيّتــي,
قبــل أن يعــمّ النــور أرجــاء هـذا المكــان المقــدّس .
أنظريهــم يغــادرون أماكنهــم مسرعيــن,
بعـد أن أنهــوا فروضهــم الدينيّـــة .
هـا قـد إحتــلّ النــور أرجــاء المعمــور .
هــا قـــد لبــس المعبـد حلّــة بهـاء وسطـوع وصفــاء ,
فهيّــا بنـا, يـا بنيّــة, نرجــع إلـى منازلنــا .
ويـا لحيــاة الإنســان !
إنّهــا أحلام تمـرّ بنـا ونحــن لا نــدري !
أنظــري,
ألــم نكــن قبـل أن نجــيء إلـى هــذا المكــان
نــرى الظــلام يعــمّ الأرجـــاء ؟
ولكـن , أنظريــه أيــن هــو الآن ؟
هــا قــد تبــدّد وكأنّـه مـا كــان .
وهكــذا سيحــلّ فـي المســاء, كمــا اعتــــاد,
وسيولّــي هـــذا النهـــــار .
وهكـــذا حياتـــنا تنقضــــي .
فمــا أشبههـــا بتوالـــي الأيّــام, وكــــرور الأعـــــوام ! ..
القدس, 27 كانون الثاني 1934