info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة التاسعة، العدد الثالث، شتاء 2004

 

صوت داهش

السنة التاسعة، العدد الثالث، شتاء 2004

البشرُ يتقاربون بتقارُبِ سيَّالاتهم الروحيَّة

ويتباعدون بتباعُدها

 

تتميَّزُ الداهشيّة باعتمادها مفهوم السيَّالات الروحيَّة لتفسير أو تعليل كلّ حدثٍ أو حالةٍ سواءٌ في البشر أم في الكون. فالسيَّالات توحِّد بین الكائنات جميعها بجوهرها الروحيّ. وقوامها إدراك ونزعات وإرادة تتفاوت مستوياتها بين نوع وآخر وفرد وآخر. والشخصية الفرديَّة يعيِّن طابعها الأساسيّ السيَّال الرئيسيّ الذي يتفحُ الإنسان بالحياة، ويحدِّد استعداداته الفطرية الحسّيَّة والذهنيّة واللغويّة، وكذلك قواه النزوعيَّة ومدی رقيِّها أو تدنِّيها، مقولباً جينات الإنسان وفقاً لما كان يحمله تلك القوى قبل اندماجه في الجنين (أنظر د. براكس، ص 6).

وفي التعاليم الداهشيَّة أنَّ السيَّال الرئيسيّ هو الذي يحمل معه دين الفرد حتى لو اختاره فيما بعد). ولذلك فكلُّ دينٍ ضروري، وضرورته متأتّية من أنّ له أُناساً لا يستفيدون إلا منه. لذا فكلّ إكراه على الإيمان بدينٍ معين هو ضد إرادة الخالق الذي منح الإنسان حريّة على أساسها سيحاسبه؛ وكل ادِّعاء باحتکار الحقيقة الروحيّة المُطلقة هو باطل، لأن الأديان تُلغي حقيقتها كأديان بمجرد مُغالاتها وإلغاء غيرها. وفي هذا الإطار يدلي الأستاذ عمر کوش بدلوه في حوار الأديان والمصالحة مع المجتمع مشدِّدا على دور الدّين في واقع الناس وحياتهم الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة وفي ما يجمعهم وينفعهم ويعلمهم العيش المُشترك المُسالم، كما على دوره في صون حقوق الإنسان والأسرة والعدالة ( ص ۲۰ ).

وعلى الصعيد نفسه أوضح الأستاذ علاء الأعرجي أن اختلاف قراءة التراث وفقاً لتأثير العقل المُجتمعي يؤدي إلى تدوين انطباعات كلّ فئة عن التراث بدل تدوين الوقائع، وبالتالي إلى التناحر، مثلما حدث بين الفرق الإسلامية المُختلفة، لأنَّ كلَّ فئة تحرص على فرض مفهومها على الآخرين كما هو الحقّ الُمطلق. وهذا الموقف الحضاريّ المُتخلّف ينطلق من التشبُّث بثوابت المفاهيم الدينيَّة أو العلمانيَّة)، ويقوم على الاستبداد النابع من رفض رأي الآخَر (ص ۲٦).

وقد بدأ عُلماءُ حديثون يقتربون من المفهوم الداهشي في محاولاتٍ فلسفيّة أو علميّة لإيجاد قاعدة لفهم وحدة الكون ووحدة قوانينه، وإزالة الازدواجيَّة بين المادَّة والروح. وقد توصَّلوا إلى أن جوهر الكون يجب أن يكون من نسيج عقلي . هذا الإدراك الموحِّد لجوهر الكائنات صرف العالم الشهير كليف باکستر شطراً كبيرا من حياته للبرهنة على أنه شائع في عالم النبات. فقد أكَّدَ بعد اختبارات كثيرة، أن للنبات إدراكاً ومشاعر، وأنَّه يلتقط أفكار الناس. وقد أحدث اكتشافه ضجَّةً صحفيَّة عالمية في السبعينيّات. و " صوت داهش " تُرحّب بمقاله العلميّ عن هذا الموضوع الخطير لافتة أنظار القرَّاء إلى صدور كتاب له بالإنكليزية في هذا الشأن في خريف عام ۲۰۰۳ (أنظر باکستر، ق. إنكليزي، ص ۲۳) . وكان الدكتور داهش قد أدرك هذه الحقيقة بإلهامه الروحي قبل ۳۰ سنة، وبشَّر بها، وتحمَّل التهكُّم من أجلها (د. داهش، ص ۳۸).

 

من جهة أخرى، قدَّم د. علي حويلي مثلاً عملياً للغربة الاختيارية في مقالة عن هجرة العرب إلى الولايات المتَّحدة وكندا. وفيه تحدَّت عن مراحل الهجرة وتشريعاتها في الدولتين، وكذلك عن مُعاناة المهاجرين العرب، وخصوصاً في موجاتهم الأولى (ص ۲۳ ). لكن للغربة وجهاً آخر مكفهراً، يتمثَّل في غربة المنفى. وعوامل الغربة والنَّفي متنوعة ويتفاعل بعضها مع بعض (ق. إنكليزي، د. ناشف، ص 4 ). وأحيانا تعود غربة الإبداع إلى غربة روحيّة، إذ يشعر المُبدع أنَّ قيمه غير قيم أبناء مجتمعه وإن شاركهم في بعض اهتماماتهم. من هؤلاء المُبدعين الشاعر الفلسطيني مُطلق عباد الخالق، أحد رواد الأدب الداهشيّ ( مي علوش، ص 43).

كذلك يضمُّ القسم الإنكليزي مقالاً عن مسرحية أنتيغون بقلم د. عتمان (ص ۹ )، ومقالاً عن التبغ بقلم د. سهيلا مقدم (ص 14 )؛ كما يضمُّ القسم العربي مقالاً عن أساطير التكوين اليونانية بقلم نحوی سلام براکس (ص 6٢)،  ومُراجعة لكتاب ’’موسيقا صوفية ’’ بقلم حسن النصَّار (ص ۸۳ )، وخواطر في الإيمان (ص ۸۰ ) مع ثلاث قصائد.

 

رئيس التحرير