الإلهات الست
الشاب
ربة الحب
لقد انقضى ذلك العهدُ، عهد الشباب ورغباته.
ربة الحُبّ! لقد اندثرتْ مُيوُلُه، وَاحَرّ قلبَاه، واضمحلت آمالُه.
فالعذارى الفاتناتُ، مَا عُدن ليستطعن أن يؤثرن على نفسي المحطمة، وقيانُ الفراديس لو احتطن بي وعانقتني أبد الدهر،
لما اهتزَّ لهنَّ وترٌ واحد من فؤادي.
وعرائسُ الأنهار، ما عدن اليوم يفتنني، مثلما اعتدن مني في السابق.
وفتيات الرؤى والخيال مَا عدن ليسحرنني، وما عدن ليبهرنني.
وحواري الجنان ما عادت أناشيدُهن السماوية لتحلَّق بي في الطباق الشفافة.
وبتُ أرى جميع أطايبِ هذه الحياة الخادعة،
كأحلامٍ وأوهام، تتلوها عِبَرٌ وغِيَرٌ جِسَام.
ولذا فقد ماتت رغائبي العذبَة ولن تستطيعي إعادة الحياة إليها.
ربّة الحُبِّ لا تحاولي المُحال عبثًا.
دعيني أعانقُ أطيافَ الأحلام، واشباحَ الظّلام.
برَبكِ يا عروسَ الحُبِّ والهَوى والهيَام.
ربة الحب
والشمس أيضًا تأفلُ أيها الشابُّ، ولكن إلى حين، كي تعود فتغمر البطاح بنورها الذهبي الوضّاح. والبدْرُ الساري في قبة الفضاء تحجبهُ الغيوم.
ولكن سرعان ما تبدّدها الرياح فيعود إليه ازدهاؤه وصَفاؤه.
والكواكبُ النيرة، يخبو تألقها حينًا، لتعودَ أشدَّ توهجًا وسطوعًا.
والزهرةُ العبقةُ الناعمة البراعم.
تموتُ لتعودَ وتحيا ثانية فتُعطِر الجوَّ المحيط بها.
والكناريُّ الغريد تعروهُ الكآبةُ فيصمُتُ عن صدْحهِ العذبِ حينًا،
ولكنّه يعودُ فيملأ الغياض بترانيم الحُبِ،
شاديًا عند بزوغ ذكاء بأنغامٍ ساحرة،
معوَّضًا عن صمتهِ، بترانيم سماوية، لا تملها الآذان.
والنسيم الشفافُ يخضع لهذا القانون أيضًا،
ولكنُه يعود كسابق عهده مُنعشًا بليْلاً.
والسُهول والجبالُ والبحارُ والأنهارُ والأطيارُ والأزهارُ،
جميع هذه خاضعة لهذا النظام.
فابتهجْ أيها الشاب لأن شمسكَ قد اذنتْ بالشروق بعد ذياك المغيب.
الشاب
ربة الحب ياما أحيلى ما فُهمت به ويَامَا أعذبَه.
أما أنا الذي حطت عليَّ الآلام الجسامُ
فقد غرُبت شمسي، وما عادت بعداليوم لتنير.
وموسيقى الأيام الغابرة، ابتدأت تتلاشى شيئَا فشيئًا، وبعد قليل ستصمُتُ حتى النهاية.
لأنّ القيثارة السحريّة التي طالما حبتني بأنغامِها السماويَّة حطمها مرورُ الأيام، وكرورُ الأعوام
وقد اختبرتُ الحياة، وتذوقتُ مرارتها العلقمية بكؤوسٍ طافحة من سَائلها الجهنّمي الكريه المذاق.
والخيانة البشرية نالني منها أشدّ أنواع البلاء، وأعمقُ النوائبِ والأرزاء.
وأينما اتجهتُ. والى أية ناحيةٍ انتحيتُ، كنتُ اصطدمُ بأمورٍ لا تُحصى من المكر والرياء، فمثلتْ نفسي ولكن مّا شاهدتهُ من شرور، وتحطَّم قلبي مما لمسَهُ من فجور.
وقد تأكّد لي أن هذه الدنيا، ليست سوى مَهزلة المَهَازل وأُضحوكة العَوالم الأخرى.
لهذا عافتْ نفسي الأرضً وقاطِنيها، علها تحظى بعد موتها بباريها.