
على فراش الموت
ستُشرقُ الشمسُ في الغَد فوق السهولِ والبطاح،
وسيهبُّ النسيمُ بلطفٍ فوق رؤوس الأشجارِ الظليلة،
وستتمايلُ الأزهارُ المختلفةُ الألوان مختالةً طروبة،
وسيشدو الهزارُ فوق أغصان الأزهار الشذيّة،
وستجري الجداولُ بين المروج منسابةً كالأفاعي السريعة،
وسيلتطمُ النهرُ بالحصى الناصع عند مروره بالغيطان،
وستخورُ الثيرانُ عند المساءِ وهي راجعةً إلى زرائبها،
وسيُوقِّعُ الرُّعاةُ على مزاميرهم ألحانهم المُسكرة الساذجة،
وسيحومُ النحلُ على رؤوس الأزهار ليمتصَّ منها رحيقها المعسول،
وسينتقلُ الفراشُ من مكانٍ إلى آخر في الفراديس الأرضية،
وستهزجُ الفتياتُ القرويّاتُ أهازيجَ مُطربةً رخيمة،
وسيخرجُ فتيانُ القرية للاشتراك مع الصبايا الجميلات،
وسيجلسُ الجميع تحت أشجار الحور والسرو والصفصاف،
وسيتسامرون بعذبِ الأقوال وأوقعها في أنفسهم البريئة،
وسيبثُ كلُّ فتىً جواه الكامن لفتاته الفتّانة،
وسيُصغي النسيمُ إلى كلّ كلمةٍ يفوه بها أحدُ الشبان المفتونين،
وسيبتسمُ لأنه يعلمُ مصير الإنسان المسكين وسرعةَ انقضاءِ أيّامه،
وستجثمُ الطيورُ فوق رؤوس الأشجار مُصغيةً لمناجاتهم،
وسيبقون في مسامرتهم حتى تُنيرَ النجومُ في القبة الزرقاء،
وستتوسَّدُ كلُّ فتاةٍ ذراعَ أحد الفتيان إلى أن يأتي صباحُ الغد...
ولكنّي لن أُعيرَ هذه الأمورَ أيَّ اهتمامٍ كالسابق،
إذ أكونُ في الغد قد اندمجتُ مع (حبيبي الموت)،
وفي هذا سعادتي الكاملة الشاملة.
فالوَداعُ، أيّتها الحياةُ القاسيةُ المريرة، الوَداع!
القدس، في 27 أيّار سنة 1934