info@daheshism.com
العدم , النبي الحبيب في سؤاله عن معنى الوجود:

 

في عرض المحيط

 

ماءٌ وسماء!

أمواجٌ مزبدة، وأثباجٌ مريدة، ورياحٌ غضوبةٌ عنيفة!

هزيمٌ، وغيومٌ متلبدة منتشرة، متكاثفة منتثرة!

مياهٌ تصطخبُ وتتلاطم، وتتدفقُ بجبروتٍ صارمٍ شديد!

وضبابٌ يتصاعدُ نحو العلاء، ويملأُ الفضاء!

صَدامٌ وقِتال، وكرٌّ ونضال، والتحامٌ وانفصال!

جبالٌ لا عدَّ ولا حصْرَ لها، يصدُمُ بعضها بعضًا بقوةٍ واندفاع،

فتتكسَّرُ متمازجة، متداخلاً بعضها في طياتِ بعض!

والزَّبَدُ ذو اللون الثلجي يتدفقُ يمنةً ويسرة،

ثم يغيضُ في أغوار المُحيط، بدَدًا بددًا كالهباء!

ومن ثم يعودُ إلى الظهور متدفقًا، صاخبًا، جيّاشًا!

ثم يعودُ فيغيبُ، كما كان، مختفيًا، مُتلاشيًا،

في حواشي الفناءِ والعدم!

والموجُ الغضوبُ يهدأ حينًا ليعود مزمجرًا مهتاجًا!

ويُزمجرُ، أحيانًا، ثم سرعان ما يعودُ فيخلدُ إلى السكينة والهدوء!

ويظلُ يتراوحُ  بين الصخب والهدوء،

وبين المد والجزرِ، وبين الصعود والانخفاض،

من عصرٍ إلى عصر، ومن جيلٍ إلى جيل، ومن أبدٍ إلى أبد!

فليت شعري! ما هي الغايةُ المتوخاةُ؟

وما هي الحكمةُ الخفيةُ من هذا التكرار؟

وما هو (اللغزُ المستور) في طيات العدم؟

وما سببُ ما كان وما سيكون؟

وما هذا (الخصم) السخيفُ ولِمَ وُجد؟

بل ما هي هذه (الحياةُ)، ولِمَ وُجدتْ؟

حقًا، إنها أضحوكةٌ الأضاحيك،

ومهزلةُ المهازل، وسخريةُ السخريات!

ذي هي الأمور!

وتلك هي المُحيطات! وهذا ما فيها من أهوال!

                               عن الباخرة (جيروزاليم)، في 31 كانون الثاني 1935