info@daheshism.com
إعتراف النبي الحبيب باخطائه واخطاء الحميع وحسه بالتواضع والمسؤولية ، أهمية الندم:

 

روحٌ متألمة حيرى

 

أيّتُها (الأشباحُ) الهائمةُ في سماءِ حياتي،

حسبُكِ تعذيبُ (هيكلي) المسكين
فقد حطمته النوائب، وعَبثَتْ به الأحداث!

يا أشباحَ نفسي الخفية!

ما هذه (الرؤى) التي تحوكينها في حلكة الليل؟!

ألتُثيري في داخلي الأوهامَ والمخاوفَ الجسام؟

أيتها (الطيوفُ) الخفية!

إنَّ (حفيفَ) أجنحتكِ لَرهيبُ الوقع في أُذُنَيَّ!

أوما كفاكِ تعذيبي طوالَ تلك الأعوام؟

أيتها (الأخيلةُ) السابحةُ في فضاءِ الكون!

لماذا تطوافُكِ حولي؟

ألكي تُثيري في نفسي كُرْهَ (الحياة)،

واحتقارَ ما تحويه من تافهٍ وسخيف؟

أيتها الأشكالُ (الأثيرية)!

ثقي أن نفسي عافت (الحياة) وتُرَّهاتها،

ورغبت عنها، قبلما تهمسين في أُذني بكلمةٍ حولها!

أيتها (المادة) الغيرُ المرئية!

أنبئيني ما أنتِ، ومن أنتِ،

وهل تُحيطين باسرار (الكون) وخفاياه،

وهل تُدركين أسرار (الأبد) وما وراءَه؟

أيها (الشيءً) المجهول!

يا من لا نستطيعُ أن نراكَ بأعينُنا  المادية،

ويا من لم يصل (عِلمُنا) بعد،

إلى (كشف) النقاب عن حقيقتك!

أنا أضرعُ إليك أن (تُلهمني) الحقيقة،

كي تهدأ عواطفي الثائرة،

المحترقةُ بنيران الجهل،

الطامحةُ إلى كشف النقاب عن (الحقيقة) المجهولة!

لقد تعذَبتُ كثيرًا، وتألمتُ كثيرًا، وشقيتُ كثيراً!

وطغَتْ عليَّ شتّى الميول والرغبات،

واكتنفتني الأمانيُّ والنزعات!

وكنتُ أخالُني (طودًا راسخًا) يقفُ أمام الأعاصير،

بجَلَدٍ عجيب، وصبرٍ غريب؛

وقد جاهدتُ... ولكنه كان الجهاد المصطنع؛

وناضلتُ... ولكنه كان النضالَ الزائف:

وأخيرًا، لم أستطع الوقوفَ أمامها،

وسرعان ما غدوتُ (أسيرًا) لها، مُكبَّلاً بقيودها!

أيتها الأشباح!

أنا بشريٌّ ضعيفٌ أحاولُ أن أظهرَ بمظهر (القوة) والجبروت!

أيتها الطيوف!

لقد حاولتُ أن أسمو عن (صغائر) هذا الكون،

ولكنّي مُنيتُ بالفشَل والإخفاق،

وكانت ثمرةُ الفوز (بعيدةً) عن متناول يدي المسكينة الضعيفة!

أيتها الخيالات!

أنتِ تعرفين أنني لم أقُمْ (بالمستحيل)

للتغلب على تلك الصعاب التي حفتْ بي،

فحقت عليَّ اللعنة،

وكان ما أعانيه من هذه الآلام الجسام

حقًّا وعدلاً!

آه! أيتها المادةُ المجهولة!

أنا ليس لي من من لومٍ أُنحيه على (القُدرة) العادلة،

لأنني (عارفٌ) ما أجترحتُه تمام المعرفة.

يا أشباح نفسي الخفية!

أنا ضعيفٌ كل الضعف،

مهما حاولتُ الظهورَ بمظهر الجبابرة!

أنا بشريٌّ ضعيف، ورجلٌ عاديّ،

وإن حاولتُ أن أخدعَ نفسي،

وأُقنعَها بأنني لستُ من (طينة البشر)!

أنا مجبولٌ من (المادة) نفسها التي جُبلَ بها (أبوانا الأولان)،

وما سرى (عليهما) يسري عليَّ  (أنا)،

دون زيادةٍ أو نقصان.

أنا شقيٌّ، مُعذَّبٌ، بائسٌ، مسكينٌ، مضطرب،

لا أستقرُّ على حال،

لأنني أوَدُّ أن أكون غيرَ ما هي عليه (حقيقتي)،

وأن أخدعَ نفسي بأنني لستُ (أنا).

لكنّي، حين أنظرُ إلى دخيلةِ نفسي الخفيةِ نظرة الفاحص،

وأشاهدُ الميولَ والرغباتِ تضطرمُ فيَّ، وتملأُ روحي المسكينة،

أنكصُ على عقبي إلى الوراء، والأسى يملأ شِعابَ عواطفي،

والألمُ يُدمي قلبي، واللوعةُ تُفتتُ كبدي!

وأشعرُ، حينذاك، بحقارتي باديةً أمام عينيَّ، وأمام نفسي،

وأمام (الحقيقة) الرائعة التي لا تخفى عليها خافية!

وقد صممتُ، على الأثر، أن أتجه نحو السماء،

لأُكَفِّر عن (الماضي) المليء بما لا أُحبّه لأيِّ إنسان،

فضلاً عن نفسي (الشاعرة) بوطأة ما أقدمت عليه من آثام،

وما أجترحته من شرورٍ جسام،

فأجدُني، حتى الساعة، غيرَ متغلب

على ميولي وأهوائي، ومآربي ومشاربي!

إذن، ما الفائدةُ من عظاتي وآهاتي،

وصومي وصلاتي، وحياتي ومماتي؟!

وواويلتاهُ للحقيقة الخالصة!

نذكُر اسمها (السماويَّ)،

ونُقسم أن نسيرَ حسبَ مشيئتها المقدسة،

ثم ننقضُ (القسم) المُهيب، ونشطُّ عن الطريق السويّ

إلى الطريق المُحال!

أيتها الأشباحُ الهائمة!

يا أشباحَ نفسي الخفية!

أيتها الطيوفُ الأثيرية!

أيتها المادةُ المجهولة!

إنني أضرعُ إليك أن تُلهميني السير!َ على النهجِ القويم،

وتدعيني ألِجُ (بابَ) الحقّ، والعدالة، والمعرفة،

كي أنال الراحةَ الحقيقية، الخالدة السرمدية، الأزلية الأبدية!

وبغير هذا، لا راحةَ لنفسي،

ولا طمأنينة لروحي! لا قدَّرَ الله!

                                  القدس، في 9 كانون الأول 1935