صوت داهش

السنة السابعة، العدد الثالث، خريف 2002

الحضــارة!

تستوجبُ الحضارة المُتقدِّمة نظاماً سياسياً سليماً مبنيَّاً على أُسسٍ اقتصاديَّة وعسكريَّة متينة. هذا المفهوم يمكن تطبيقه على أثينا زمان بيركليس ، وعلى الإمبراطوريَّة الرومانيَّة، كما على الغرب الحديث, وفي أيَّامنا هذه، قد نزيد على مُقتضيات الحضارة المتقدِّمة تعليماً وافياً وتكنولوجيا متطوِّرة، ووسائل إعلام متنوِّعة، فضلاً عن مَلاهٍ غنيَّة , لكن في ضوء التعاليم الداهشيَّة، يقتضي المجتمع الراقي عدالةً، وحريَّة، ومعايير خُلقيَّة عالية أي بُعدًا روحيَّاً يجد تعبيراً عنه في ثقافة المجتمع وتجسيدّه في أعضائه .

إن الثروة الخياليَّة، و حُمَّى التَّرف ، وسهولة إشباع الفرد لرغباته ليس بوسعها وحدها أن تبني حضارة راقية، مُحالٍ أن نكون عادلين ، بالمعنى الأفلاطونيّ، وفي الوقت نفسه مُستسلمين للمتع الحسيّة، ومُستخدمين معايير مختلفة في تعاملنا مُحال أن نكون فاضلين، وفي الوقت نفسه أنانين تشيح بأبصارنا عن أربعين ألفا من الأولاد يموتون، كل يوم، من سوء التغذية والمرض (أنظر بحث رئيس التحرير، ص 5 ).

إنَّ معظم الدول، بصرفِها اهتمامها إلى القيم والوجوه الماديَّة من الحضارة، تُرغم نفسها على البقاء في المرحلة الأولى من التقدُّم الحقيقي. أمَّا الأُمم التي زوِّدَت بعقولٍ خلاَّقة فقد تستطيع أن تغلغل الديمقراطيَّة في مؤسّساتها وتطور تكنولوجيات متقدِّمة؛ لكنَّها لا تعلو في سلُّمِ الحضارة إلا قليلاً. فالمستوى الثقافي السَّامي في دولة ما هو وحده مؤشر على رُقيِّ حياتها الحضاريَّة (أنظر مقال الدكتور كات، ص ۱۸ ).

ولا ريبَ في أنَّ الفنون الجميلة هي من عناصر الثقافة. و جمالية الفن الإسلامي ذات خصائص مميَّزة وروعة فريدة كشفَ عنها الدكتور عطية والسفير السيّد ( أنظر ص 75 وص 83 ). وهذه السَّمة الثقافيَّة يُمكن أن نلقاها في كنوز المكتبات العربيّة, وقد عرض الدكتور حويلي تطوُّر حركة المركبات في العالم العربي خلال المئة والخمسين سنة الماضية ( أنظر ص 33 ).

ومما يُثير الدهشة أن يكون المصريون (بين شعوب أُخری) قد تمكَّنوا، قبل أربعة آلاف سنة، من بناء حضارة تكاد تشابه حضارتنا بما توصَّلوا إليه من وسائل تكنولوجية متقدِّمة في بناء الصروح والتحنيط ( أنظر الدكتور السعداوي، ص ۱۹ من القسم الإنكليزي). وقد نُرغَم على الاتِّضاع إذا اكتُشفَت حضارة راقية خارج الأرض (د. سالم، 11 من القسم الإنكليزي).

والعرب الأمريكيُّون أسهموا في بناء مدماك ثقافي في حضارة الشرق الأوسط كما في الحضارة الأمريكية (أنظر مقال ورتسمان، ص ۲٦). وليس بينهم أشهر من جبران خليل جبران، مؤلّف النبيّ. وفي زيارة حديثة قام بها الدكتور جورج الحاج إلى بشري في لبنان (مسقط رأس جبران)، تكشفت له أمور تبعث على القلق؛ وقد عبَّر بوضوح عن انطباعاته في مقالٍ مؤثر (أنظر ص 4). وكان جبران قد خلّف مأساة صغيرة أخاذة، كتبها بالإنكليزية في أواخر حياته، بعنوان ’’لعازر وحبيته ’’، لكنَّها ما زالت مجهولة لدى أكثر قرائه بالعربيَّة. فاضطلع الأستاذ طوني شعشع بنقلها إلى لغة الضاد نقلاً أميناً بأسلوبه الشِّعري الأنيق (أنظر ص 64 ). ذلك فضلاً عن قصتين شديدتَي الدلالة للدکتور داهش، تُبرهنان عن الجزاء الروحيِّ العادل ( أنظرص 43)

وكذلك ثلاث قصائد رفيعة الطراز مع عدَّة مقالات.

رئيس التحرير