info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الخامسة،، العدد الثاني، خريف 1999

 

 

صوت داهش

السنة الخامسة،، العدد الثاني، خريف 1999

هل ثمَّة أملٌ في تجديدٍ روحيّ للعالم؟

 

شهد القرن العشرون حوالى مئة حرب ثنائية أو متعدِّدة الأطراف فضلاً عن حربين عالميتين. وقد سقط في خلالها عشرات الملايين من الضحايا، وكان الدَّمار شاملاً، والخسائر هائلة، والمظالم والفظائع في ذروة بشاعتها. ومع ذلك فإن معظم الناس لم تهتزَّ نفوسهم من الكوارث الحادثة إلى حدٍّ يُنبِّههم إلى الأسباب الروحيةَّ التي وراءها وإلى أهمية القيم الروحيَّة التي كان انحدارها سبباً مباشراً في إطلاق العنان لعنجهية الحكَّام المستبدِّين ولمطامعهم الأشعبية ولتنافسهم في شهوة السُّلطة والسيطرة.

بدلاً من ذلك انطلقت في العقد السابع من القرن العشرين حركة التحرُّر الإباحي في الغرب مُجتاحة أوروبا وأمريكا، ثم ناقلة عدواها إلى مختلف أرجاء العالم. وإذا العنف العدائي يتسلطنُ مع الهوس الجنسيّ على وسائل الإعلام كافة؛ والرياء يتغلغل في الحياة الدينيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة حيثما كان؛ والفضائل العائليَّة تتلاشی؛ والكبرياء تعمي الدول الغربيَّة عن الهوَّة الخُلقيَّة التي باتت تتخبَّط فيها (أنظر مقال "طريق الارتقاء الروحي ص 5)؛ بل تدفع الرسميين الأمريكيين إلى الافتخار بالقوَّة الأمريكية والفضيلة الأمريكية، وإلى تلقين البلدان الأخرى دروساً بالصحة الكليَّة للمبادئ والممارسات والمؤسَّسات الأمريكيَّة، وإلى محاولة فرضها على العالم أجمع على حد قول صموئيل هانتنغتن Samuel Huntington أستاذ العلوم السياسيَّة البارز في جامعة هارفرد (Foreign Affairs, March/April, 1999)  .

فهل تعني هذه الدلائل أن الأمل في الارتقاء الروحيّ أصبح خابیاً على الأخص في الغرب، حامل شعلة العلوم، وأن البشر حكموا على أنفسهم حياة أبداً مُتقهقرة؟

 

يرى فرنسيس فوكوياما F.،Fukuyama استاد السياسة العَّامة المرموق في جامعة جورج مایسن، أن العقد السابع من القرن العشرين كان حقاً عقد التحول الخلقي في الغرب، إذ إنَّ هذه الحقيقة تتحصَّل من مؤشرات الإختلال الإجتماعيّ المُشتمل على نسبة الجرائم والإعانات الرسميَّة والطلاق ولا شرعيَّة الأولاد وتعاطي المخـدَّرات، لکنَّه یرى المجتمع الأمريکي قد بدأ عملية التجديد الخلقي والتراجع عن الهوة الثقافية التي واجهها.“  .Journal, Feb  (1999 ,11 Wall(Street

 

مهما تكن الحال، فنحن نرى، من منظور التعاليم الداهشيَّة المُوحاة والمؤيَّدة بالمُعجزات، أن السبيل الوحيد لانتشار سلام عالمي وقيام مجتمعات سليمة وبعث الطمأنينة النفسيَّة في الناس هو تجديدٌ روحيٌّ يحصل في نفوس الأفراد عن طريق العودة إلى الإيمان العمليّ الصحيح بالقيم الروحيَّة الشاملة للعدالة والحريَّة والنزعة الإنسانيَّة وسائر الفضائل عبر الإيمان بوحدة الأديان. أما برهاننا الماديّ فنستمدُّه من سیِر الداهشيين الذين رحلوا، بعد أن كانوا قدوة في حياتهم المثالية؛ وقد ذكرنا منهم، في أعداد سابقة، الشاعرين حليم دموس و مُطلق عبد الخالق والأديبة الفنانة ماري حدَّاد. أما في هذا العدد فعبرتنا نستمدُّها من حياة مجاهدين خالدين هما الدكتور جورج خبصا وجورج حداد. فالاثنان كانا من أسرتين وجيهتين ثريتين: الأول نطاسي لا نظير له في الأمراض الجلديَّة، والثاني رجل أعمال ناجح وقنصل فخري للبنان في رومانيا وعديل لرئيس البلاد الأسبق، بشاره الخوري ( ۱۹۹۲-۱۹۶۳ ). وما إن تعرَّفا إلى مؤسّس الداهشيَّة وعاينا بعض مُعجزاته حتى آمنا بتعاليمِه، ونفضا عنهما التعصُّب الطائفي وكبرياء الجاه وحياة اللهو الرخيص والقيم الدنيويَّة التافهة، وتصديا بشجاعةٍ عنيفة لطغيان السُّلطة السياسيَّة والدينيَّة، وعاشا حياة فضيلة مثاليَّة .

 

وفي عام ۱۹۹۹ ، العام الذي يعتبره المؤرخون ذروة انطلاق حركة التحرُّر الإباحيّ، خلَّفا جثمانيهما في الدنيا الحقيرة وكأنهما ليسا منها. انَّه أملٌ عظيم بأنَّ الإنسان إذا أراد أن يغيِّر نفسه، يستطيع التغيير (أنظر ص 60- 81 من هذا العدد). وقبلهما كان المهاتما غاندي قد أعطى البرهان الحاسم الأمثل على إمكان ذلك. *

 

رئيس التحرير