info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "مذكَّرات يسوع الناصري" الجزء الأول

                                                                                                                     مذكَّرات يسوع الناصري

 

 

مذكرات يسوع

أعجبُ كتابٍ طالعتُه

 بقلم إيليا حجار

هذا الكتاب العجيب يكشفُ لنا حياة السيد المسيح الخفيّة. فحياته عند ما كان طفلاً فمراهقًا مجهولةٌ تمامًا، وليس من يعرفُ عنها شيئًا. فالأناجيل الأربعةُ تذكرُ حوادِثَ مُعجزاته وخوارِقِه عندما كان قد بلغ الثلاثين من عمره، أمَّا ما سبقها من السنين فليس من يعرف عنها أي شيءٍ.

وعندما طالعتُ هذا الكتاب الرائع بأسلوبه، المُدهش بأسراره، والمُذهل بحوادثه، استهواني استهواءً تامًا. فرحتُ التهمة التهامًا، وتمنَّيتُ لو كان عددُ صفحاته ألف صفحة، إذًا لاستمريتُ في مطالعته التي لا تُملُّ إطلاقًا.

أما كيف استطاع الدكتور داهش معرفةَ حياة السيد المسيح المجهولة، فهذا الأمر سيُكشف للقراء، بل وللعالم بأسره في وقتٍ قادم، وكل آتٍ قريب، وإذ ذاك ستتناول أسرارها صحافةُ الدنيا بأسرها.

إن سرَّ اكتشافه العظيم لحياة المسيح سيكون إعلانه، عندما يُذاع، أشد مفعولاً من القنابل النووية والهدروجينية. وسواءٌ أصدقَ العالم، الآن، صحَّة ما هو مدوَّنٌ في هذا الكتابِ أم لا يصدِّق، فالحقيقةُ تبقى حقيقةً ولو حاربتها البشريةُ بقضِّها وقضيضها.

أما أنا فإني أعلن بصوتي الجهوريّ قائلاً: إن مذكرات يسوع الناصري هي مذكرات حقيقية لا ريب فيها، لأن السرَّ كُشفَ لي، ووثائقه ثابتة لا أستطيع لها إنكارًا. وعندما تأزفُ ساعةُ كشفِ الحقيقة سيؤمن بها كل من يلمسُ لمسَ اليدِ ما لمستُهُ بنفسي، وسيكونُ إيمانُهُ مثل إيماني إذ تتزلزلُ الجبالُ وتُدَكُ دَونَ أن يعتورني الشكُّ بصحةِ هذه الحقيقة.

وإلى ذلك اليوم الذي أرجو أن يكون قريبًا، أنا على يقينٍ بأن كل من سيقرأ هذا الكتاب الرائع سيكون مسرورًا جدًا. بمطالعته، ومُعجبًا باسلوبه، ومأخوذًا بحوادثه.

وإني أترقّبُ الجزء الثاني بفارغ الصبر. فلعل الدكتور داهش يُسرعُ بطبعِهِ ليُشبعَ رغبتي ورغبةَ القُراءِ لاكتشاف صفحةٍ مجهولةٍ من حياةِ مؤسس الديانة المسيحية.

                                                        إيليا حجار

                                بيروت، الساعة التاسعة من ليل 22/1/1979

 

 

توطئة

                                                بقلم غازي براكس

منذ نُفِحَتْ نسمةُ الحياةِ في الطين والماء فتمثَّلتْ بشرًا سويًّا، حتى يومنا هذا، لم يطإ الارضَ إنسانٌ باسمهِ شُغِلَ التاريخُ، وبأعمالهِ ضجَّ الزمان، وبتأثيره تغيَّر مجرى الحدثان، وبخاتمهِ طُبعَ الأدبُ والفنُّ والعُمران، وعنهُ كُتبتْ مجلداتُ في تواريخِ الاديان، مِثلُ يَسُوعَ ابنِ الإنسان!

فمنذُ عشرين قرنًا وألوفُ المعابد تُشيَّدُ على اسمهِ، وملايينُ البشرِ يمجِّدونهُ ويبتهلونَ إليه، ومئات الكتاب والشعراء في شتّى أمصارِ الدنيا يتغنّون بشخصيتهِ العلوية، وثورته الروحية، أو يبحثون في تعاليمه الإلهيَّة. فليس غريبًا، بعد ذلك، أن يهتم اللاهوتيونَ والعلماءُ في الشرق والغرب بالتنقيب عن تفاصيل حياته لعلَّهم يعثرون على جديدٍ يُضيفونه إلى الأناجيل وإلى ما تركه الرُّسلُ والتلاميذُ من إشاراتٍ إلى حياةِ معلمهم العظيم ومبادئه.

وكم تساؤلُوا عن طفولةِ يسوعَ وحداثته، وكم نقَّبوا وفحصوا ومحَّصوا ليكتشفوا مجرّد تفصيلٍ بسيطٍ جديدٍ في السنوات السابقة للثلاثين من عمره، فذهبتْ مساعيهم جميعها أدراجَ الرياح.

اجتهدوا في طفولته اجتهاداتٍ مُتباينةً مُتناقضة، فافترضوا أن يسوع عاش بين الأسينيين، وعنهم أخذ زُهدَهُ وتعاليمهُ وقوَّتهُ الروحية. وممن ذهب هذا المذهب التافه أحدُ الكتابِ اللبنانيين المعاصرين، وقد باتت آراؤه في المسيح مُنكرةً مستنكرة. كذلك خمنوا أن يسوع قصد الهندَ أو مصر ليتمرّس بما عندهُم من علومٍ روحانية. وما زالوا يظنون ويرجمون ويخبطون في تخميناتهم خبط عشواء. وإني على يقينٍ أن الباحثين الصادقين في هذا الميدان لما كانوا يضنُّون بالملايين من الدولاراتِ من أجل الحصول على إيضاح جديدٍ يتعلَّقُ بطفولةِ يسوع، أو بمرحلةٍ من مراحلِ حياته، أو مبدا من مبادئه. لكني على يقينٍ أيضًا أنهم لن يظفروا بأية فائدةٍ ملموسةٍ من أبحاثهم، كأنما السماءُ أغلقتْ دونهم أبوابها ونوافذها.

لكن السماء – ويا للمعجزة التي تحقَّقت! – عادت ففتحت أبوابها، وكشفت أسرارها لرجلٍ منَ الشرق أسَّس عقيدةً روحيةً هادية، وقام بأعمالٍ عجيبةٍ تُثبتُ صحتها، وعانى الأمرَّين من أجل نشرها، وإعلاء كلمة الله والمسيحِ والأنبياء في أرضٍ اجتاحها الشرُّ والكفر؛ إنه الدكتور داهش، رجل الروح المُذهلُ الذي شغلت أعماله وأخباره، في الأربعينات، الأوساط والمحافل الاجتماعية والفكرية في لبنان والبلاد العربية كما لم يشغلها أمرؤ سواه.

هذا الرجل العجيب يطلُّ على العالم، اليوم، بأعجبِ كتابٍ عن المسيح منذ وطئتْ قدما سيدِ المجدِ أرضَ هذا الكوكب الضلُول!

لا، لم يأتِنا بسيرةٍ تاريخيةٍ نتوكأُ على المراجع فتُصيبُ هنا، وتخطئ هناك، ولا براويةٍ ابتنى الخيالُ أحداثها من واقعٍ ووهم، بل أتانا بشخصِ يسُوعَ نفسهِ بلحمةِ ودَمِه، وبحياةِ الناصري الحقيقية الفذَّةِ المؤثرة في سِني حداثته العجيبة، إذ تتفتحُ مواهبُهُ الروحية، وتبدأ الحياةُ بنسجِ آماله العظام وآلامهِ الجسام، وحبكِ مأساته التي ولدت في أسرتهِ ونمتْ في بلدتِهِ، لتُختم على الجلجلة. إنها حياةُ يسُوعَ المُلهمة كما عاشها تمامًا في حداثته، تفاجئ العالم بأسره كأكبر حدثٍ فكريٍّ روحيٍّ له علاقةٌ مباشرةٌ بسيد المجد، منذُ ألفي سنة.

ومن يُتَحْ له أن يلج هذا الكتاب النفيس بقلبٍ نقي وبصيرةٍ نيرة يرَ نفسهُ داخلاً إلى معبدٍ أو محراب، ويحسُّ بروحِ المسيح ترتعشُ بين سطوره، بل في كل كلمةٍ من كلماته، ويشعر بسلطته الروحية الخفيَّة تمتدُ إليه عبر عشرين جيلاً، وقد بُعثت ثانية، فلا يتمالكُ عن سؤال نفسه: ترى ألم يحقق وعدهُ وينجز عهده بعودته، ثانية إلى الأرض؟

إن هذا الكتاب ليس سيرةً عادية، بل هو قصيدةُ حياةٍ إلهية. لكنها قصيدةٌ لم يخترعها خيال بل ولدتها الحياةُ الأبدية نفسُها. فالمسيحُ بنُبل كلماته، وسلاسَة عباراته، وسُمُوِّ أفكارهِ، وسُلطةِ أقواله، وفريدِ مزاياه، وعجيبِ أعمالهِ، بُعِثَ في سطورِ هذا السفر الكريم، حتى لا يخالجني أي شكٍّ في أن الألُوفَ من قارئيهِ سيتَّخذونه إنجيلاً خامسًا يتمِّم الأناجيل الاربعة.

وحسبي أن أشير فقط إلى ما يحمل الكتابُ إلى العالم من جديدٍ في حياةِ يسوع الناصري وتعاليمه: ففي حياته تتضح معالم صورته الحيَّة في حداثته. فيسوعُ الفتي لم يعد مقطوعًا عن العالم والأحداث، يعيشُ في ظنِّ الناس وضمير الغيب كما كان حالُهُ مدى عشرين قرنًا تقريبًا، بل نراهُ – كما يفرضُ منطقُ الحياةِ الصارم – يتعرَّف إلى يونا والدِ بُطرس بإلهامٍ روحيٍ أتاه في حلم، مذ كان في الثانية عشرة من عمره. وما أجمل لقاءه بالشيخ الجليل في الهيكل، ويسوعُ تعبٌ عطشانُ جائع. فيقدِّمُ يُونا لهُ الزيتونَ والجبنَ والبصَلَ، وسرعانَ ما يكتشفُ حقيقةَ الفتى العجيب، فيخشعُ أمامه، ويستضيفه.

وفي منزله يتعرَّف يسوع إلى بطرس وابنه آدوُم، وبواسطةِ الأخير يتعرَّف إلى رفاقه الأحداث، فيأخذ يعلمهم، بأسلوبٍ بسيطٍ يراعي مستوى مداركهم، حقائق الحياة الروحية، فاتِحًا بصائرهم عليها، حتى يتعلَّقوا به ويتمرَّدوا على ذويهم. فتشعر كأنك تعيش صراع العقائد في القرن العشرين. لكن حامل مشعل العقيدة الجديدة هو فتًى ابنُ ثلاث عشرة سنة لا يشهرُ سَيفًا ولا مسدسًا، بل المحبّة والسلام والحقّ، فيخافُهُ رجالُ السلطة ورجالُ الدين على السواء، فيحظِّرون عليه الاتصال بالأحداث، وهناك في منزله تبدأ مأساته مع ذويه: والدُ مؤمن بأصله السماوي لايسعُهُ أن يزعج ابنه أو يُرغمه؛ ووالدة متحيِّرةٌ مرتبكة بأمره، وبلغز ولادته، تعطفُ عليه وتأبى أغضاب أشقائه؛ وأشقاءُ أربعةٌ – يعقوبُ ويوسى وسمعان ويهوذا – منزعجون من أخيهم لأنه يسببُ الإحراج لهم إزاء مواطنيهم؛ وشقيقتان – فادية ودانية – تحبانه وتخلصان له، ولكنهما تعجزان عن مقاومة مناوئيه؛ زِد إليهم أبناء بلدته الناصرة الذين يعيِّرونه وينعتونه بالمخبول.

ووسط هذا الخضمِّ الزاخر بالتناقضات، يتصرفُ يسوعُ تصرّفَ المُشرف على الزمان، تارةً يواجهُ محيطه بالمحبّة الغامرة والرحمة والشفقة، وطورًا بالإنذار النبويّ الذي يرى الويلاتِ تنصبُّ على أعداءِ كلمة الله ورسوله.

ويفاجئنا الكتاب بأمورٍ غريبة كثيرة:

إن معجزة يسوع الاولى لم تكن في عرس قانا الجليل، بل كانت في مخفر الشرطة. لقد كانت معجزة عدالةٍ وجزاء، صُعِق على إثرها قائدُ الشرطة، بقوةٍ روحيَّة، وأوقف بطرس، فكانت له التجربة الأولى في حياته الملأى بالمحنِ من أجل اختبار مدى إيمانه بالمعلم الهادي.

وتفاجأ بإنقاذ يسوعَ لسفينةٍ غارقةٍ وهو ما يزالُ طريء العود؛ ثم بزيارته إلى بيروت وإقامته فيها، وتعلّمه اللغة العربية حتى الإتِّقان، وتمرّسِهِ بالعزَفِ على القيثار.

أما الجديدُ في تعاليمه التي أتاحت بنشرها سنُّهُ المبكرة فهي كثيرة خطيرة:

إن الحياة ليست محصورةً في الأرض، بل هي في الكواكب أيضًا. هذه الحقيقة التي بدأت تشغل علماء القرن العشرين بشَّر بها يسُوعُ تلاميذهُ فتيًا منذ ألفي سنة.

وصلات النبي داوُد والنبي سليمان بالنساء لم تكن علاقاتٍ اعتباطية، كما يُظهرها الكثيرون، بل لها أسبابها الروحية التي يوضحها الفتى الإلهيّ بمنطقٍ مُدهش.

وأهم من أن يتخلَّى الإنسانُ عن زوجته ليرتقي روحيًا، هو أن يغرس روح الفضيلة في ابنه لأن ابنهُ امتدادٌ له، فهو يرتقي بارتقائه وينحط بانحطاطه.

أما عودةُ المسيح الثانية فهو يعلنُ أنها ستتم بعد عشرين جيلاً، بعد أن يكون قد أتمَّ دروته في الكواكب قاطبةً.

ترى، ألم تأزف ساعة عودة سيد المجد؟

إن كل ما في العالم يستعجل مجيئه! قلقُ الأمم على مصيرها بعد استخدام القنابل النووية، وانحطاط إنسانيَّة الإنسان انحطاطًا رهيبًا، وإفلاسُ العقائد السياسية وعجزُها عن شقِّ طريق الخلاص، وطغيانُ الشرورِ والمفاسد والإلحاد، وتناحُرُ المذاهب الدينية القائمة، وتناقضُ العلم والدين، واضطرابُ النفوس وضياعُ الملايين...

ثم توقُ الكثيرين الكثيرين إلى مَن يهديهم، وينقذهُم، ويبعثُ السلامَ في نفوسهم.

إن الجوابَ على ذلك سيأتي به الزمنُ القريب، فوحدهُ كفيلٌ بكشفِ القناعِ عن رجُلِ الروحِ العجيب وسِرّهِ المُدهشِ الغريب!

                                                                        غازي براكس

                                                                بيروت، 23/1/1979

 

استسلام

 

هذه هي إرادةُ أبي السماويّ،

وإلاّ ما كنت لأحيا، في عالم الرياء والأكاذيب.

لقد تعبت نفسي من كلِّ شيء،

وعافت روحي هؤلاء البشر الأدنياء.

إنّ التعاليم السماويّة لا تجدي فيهم نفعاً،

والمواعظ التي تلقى عليهم بوحيٍ من السماء

لا تلبث حتى تتبدّدَ من مخيّلاتهم

المحمومةِ بحبِّ هذا العالم الفاني.

الفقراء، والبؤساء، والمصابون

هم وحدهم الذين يصغون لي عندما أتكلّم.

أمّا الأغنياءُ هؤلاء... فإنّهم يعبدون المال وحده دون اللّه.

 

 

فالويل لهم عندما تدقّ ساعة حسابهم الرهيبة.

سيعولون، وسينوحون، ولكنْ دونما جدوى،

إذ ستبدّدُ هوج الرياح توسّلاتهم، وتعصف بها عصفاً.

 

ها قد قطعتُ اثنتي عشرة مرحلة من مراحل حياتي،

وأنا لا أصطدم سوى بكلِّ نقيصةٍ وكلِّ رذيلة.

ليس من صالحٍ واحد!

نعم، ليس من يعمل صلاحاً سوى اللّه جلَّ اسمهُ.

أمّا أنا فقد قطعت على نفسي عهداً:

أن أسير على طريق الحقّ،

طريق الحبِّ الإلهيّ،

طريق النور السماوي،

مهما اعترضتني الخطوب والنائبات...

فمهما اضطهدتُ، ومهما عذّبتُ،

 

 

ومهما شُقيتُ، ومهما بَكيتُ،

ومهما أصابني من رزايا وكروب،

فلن أتركَ من يميني مشعل الحقيقةِ

المُعطى لي من أبي السماوي،

كي أنير به جنبات هذا العالم الكثير الظّلام.

 

لقد أمرني أبي أنْ أهبطَ إلى هذا العالم الجاحد،

ففعلتُ.

وها أنا أصطدمُ بعقباتٍ جبّارة،

دون أن يعتورني فتورٌ،

أو تزلّ بي قدم.

بلأمس كنتُ في الهيكل الكبير،

أجادل العلماءَ من أحبارِ اليَهود،

ةأقرَع لهم حُججَهمَ بحججي،

 

 

فتنهار تلك الحجُجُ الواهيةُ

المبنيّةُ على الأغراض الشخصيّة، والأمور الدنيويّة،

وأكشف لهم ذلك الرداء الغليظ الكثيف

الذي كانوا يلبسونها إيّاه،

فتبدو عاريةً على حقيقتها،

ولا تلبثُ حتى تتوارى خجلاً واستحياءً.

ولكنّ الأحبارَ، هؤلاء الأشرار،

ما كان الحياء ليطرقَ أبوابَ وجوههم الصفيقة.

لقد حرّقوا الأرم، وحاولوا الإعتداء عليّ،

بعدما أصيبوا بفشلٍ ذريع،

وهم، هم المتعمّقون بأسرار التلمود،

القابضون على ناصيته،

والعالمون بأدقِّ أسراره مثلما يقولون.

لكنّ خوفهم من الجمهور الذي كان يحصي عليهم الأنفاس،