info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى " الرحلات الداهشيَّة حول الكرة الأرضيَّة الرحلة الحادية عشرة "

 

 

يضم هذا الجزء ثلاث سفرات قام بها الدكتور داهش تباعاً إلى حواضر المغرب العربيّ، ثم إلى مونتريال في كندا فـ«عالم دزني» و«کايپ کندي » في فلوريدا، وذلـك عام 1976. ويحسنُ إبـراز ثلاثة أبعاد كانت مهيمنة على هذه السفـرات ، هي : البعـد السياحي الحضـاري بوجهيه العمراني والاجتماعي، والبعد الوجداني الذي أسفر عن مزيد من ملامح شخصية المؤلّف الفذة، ثم بعد الوصف الفنّي الذي ارتقى، في هذا الجزء، إلى ذروته .

 

البعدُ السياسيُّ الحضاريّ:

مما يُحصِّله القارئ أن المغرب بلد عربي ممهور بطابعين : أحدهما يمثل وجه القرن الخامس عشر، والثاني يحمل وجه القرن العشرين . فمن جهة، ترى المتاجر الفخمة الحديثة المكيفة الهواء، والدارات الجميلة المُحاطة بالحدائق الغنَّاء، حتى ليؤثر المؤلف قصور أنفه الحجرية البيضاء الصّلدة، في ضواحي كازابلانكا، على أكثر المنازل الأمريكية المتماثلة ؛ ومن جهـة أخـرى يطل عليك الـوجـه الـقـديـم للحضارة العربية البربرية ، وخصـوصاً في الشطر القديم من مدينة مراكش حيث تسترعي نظر السائح الطرق الضيقـة المُتعـرجـة، والمطاعم والمقاهي الشعبية التي هي آثار الماضي السحيق الماثلة في الحاضر كأنها نداء الأجداد للاحفاد ليرفضوا مسيرة الزمن .

 

ومن عتائق السنين يذكر المؤلّف، في الرباط، قلعة «تور حسن» ذات السور الشاهق المتوّج بتفاريج نصبت فيها المدافع القديمة ؛ ومثوى الملك محمد الخامس الذي يخفر جدئه على الدوام 16 جنديا شاكي السلاح ؛ و«قصـر البـديع» بسراديبه المُخيفة التي كان يُسجن في حجراتها المُظلمة العاثرو الحظّ، تلك الزنزانات المروعة التي كان يقارنها مؤسس الداهشية بالسجن الـذي شاهده في روسيا، حيث كان القياصرة يزجّون بأعدائهم، فيجد أنَّ السجن الروسي أرحم بالمساجين من «هذه القبور المُرعبة»؛ كما يذكـر آثـار مدينة الشلَّة المـدفونة التي تتمخّض الحفريات بها، فإذا هي تماثيل وأعمدة رومانية تنطق بحضارة عهد سحيق .

 

وتسترعي نظر الدكتور داهش أرض المغرب الزراعية بسهولها الفيحاء، ووفرة الصبّار والتين والعنب والبطيخ في محصولاتها، ورخص أسعار الفواكه والخضر بالنسبة لأسعارها في أمريكا، إذ إن السائح بوسعه أن يبتاع بثمن بطيخة حمراء واحدة في أمريكا ٦٢ بطيخة في المغرب من النوع والحجم نفسه.

 

وفي مجـال الصنـاعـة الفنية، يفيدك المؤلّف أن أغـادير تمتاز بصنع السجاد ذي النقوش الرائعة، وأن السجاد المغربي تختلف أنواعه باختلاف القبائل البربرية التي تحوكها ومهاراتها. فالسجاد الرقيق، مثلا، تحوكه قبيلة من النَّور الرحل، ذلك بأن طريقة حياتهم المهدَّجة بالترحال فرضت عليهم نسج ما يخف حمله، فلا تُعييهم أعبـاؤهم - عنـد التنقـل ، وهـذا بخلاف السجَّاد الثقيل الذي تحوكه القبائل المستقرَّة.

وكـان لفنِّ الرسم المغـربي نصيب من لذعـات المؤلّف ذي الذائقة الرهيفة والخبرة الشاملة في مجال الفنون الجميلة . فبعد أن تصفح عددين من مجلة «الفنون» ضما كثيرين من الفنانين المغاربة، علق قائلا : «إنّ الفنَّ الأصيـل هو الفنُّ الـواقعي ؛ وليست النقـاط والدوائر لتعني شيئاً على الإطلاق، إذ بإمكان الطفل أن يغمس ريشته بالألوان ثم يضربها على القماشة، وبعد ذلك يقولون إنها لوحة تعني أشياء وأشياء؛ والحقيقة بعيدة بعد السماء عن الأرض!»

ومن ملاحظات الدكتور داهش التاريخية الجليلة الفائدة قوله، بعد أن رأى كثرة السياح الفرنسيين في فنادق أغادير: «إن هؤلاء الفرنسيين قد أصابهم ما أصـاب العـرب الـذين فقـدوا مجدهم في الأندلس بعد خروجهم منها. وهكذا الفـرنسيـون فقـدوا مجدهم الاستعماري بعدما خرجوا من المغرب، بعد استعماره طويلا، فراحوا يحنُون للعودة إليه، وإذا بهم يأتونه كسياح يملأون فنادقه . وهذه الإشارة التاريخية تحمل أيضاً لمحة سيكولوجية دالة .

 

ومن إلماعاته التاريخية المهمَّة أيضاً ما ذكره عن مدينة سبتة التي احتلها العرب سنة 683 م بقيادة عقبة بن نافع ، ومنها بدأوا حملتهم ، سنة 711، لفتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد، ثم انتقلت هذه المدينة إلى البرتغال سنة 1415، وبعدئذ إلى إسبانيا عام 1580؛ وهي ما تزال حتى يومنا هذا تحت السلطة الإسبانية .

 

ولا يفوتُ المؤلّف الرحَّالة أن يسجّل نقاطاً من الحسنات والسيئات في المجال الاجتماعي المغربي . فقد حصَّل من حادثتين وقعتا أمامه ما برهن له على وجود الأريحية والإباء العربيين الأصيلين في أهالي المغرب ؛ ولكن أزعجه أن معظم أصحاب المتاجر كانوا يطلبون أثماناً مضاعفة للسلع، إذا لاح لهم أن المشتري غريب عنهم ؛ وهذه صفة انتهازية مقيتة . كذلك بعد أن شاهد فتيات مراهقات يسرن شبه عاريات في ضواحي الدار البيضاء، قال معلِّقاً: «إن هذا الأمر مثيرٌ للاستغراب الشديد في بلد عربي يدين بالإسلام» ؛ وتمنَّى لو تمنع الحكومة المغربية هذه «التقليعة» الأجنبية الوبيلة .

 

أمـا سـفـرته إلى مونتريال (كندا) فقد كانت محدودة الجولات . وأهم ملاحـظـاتـه فيها ثلاث : مقارنة بين غابات الولايات المتحدة الغنية الغبياء وسهـول كـنـدا الفيحاء التي تتخلّلها أحياناً أشجار قليلة الارتفاع ؛ ووصف للمتـاجـر الفخمـة الكثيرة التي أقيمت في أنفاق السَّابواي ، فجعلت منها مدينـة تحت المـدينـة؛ ووصفٌ لمعـروضات متحف الفنون الجميلة في مونتريال حيث كانت تعـرض مجموعة من اللوحات الرائعة المُستعارة من متحف الإرميتاج الروسي .

 

أمـا فلوريدا التي اجتذبته مناظرها الطبيعية الرائعة وسهولها الفسيحة الملأى بالبرتقال، فقد حصر زيارته فيها بـ«عالم دزني» و«کايپ کندي» . ففي عالم الغـرائب والعجـائب العلمية، تزور مع المؤلف منـزل الـرعب والأشباح حيث دراكيولا يطل، والوجوه تمسخ، والذقون تستطيل، والألسنة تتدلى ، والرؤوس تتضخّم، والبطون تندلق ، والصرخات تجلجل، والأظافر تمتد، والهامات تتطاير، والأيدي تقطع ، والعجائز تُدمدم، والشموع تجولُ في الهـواء ! . . . كما تزور مع المؤلف مدينة الموتى حيث تتفتح القبور، وتـطـفـر الأموات ، وتترنح الأنصاب ؛ وتدخل دهاليز القراصنة حيث تحرق المنازل ويعذّب الأسرى، وتغوص في أعماق البحيرة حيث ترى الأودية السحيقة، والسراطين العملاقة، والسلاحف الضخمة، وأنواع الأسماك العجيبة، والأصـداف الكبيرة التي تنفتـح وتنغلق ؛ أو أنت تلج مع رجل الخوارق العجيب جنَّة الطيور حيث الأطيار والأزهار والأخشاب تغني، أو تركب برفقتـه القـطـار وتـزور الغـابـات الـرائعة وغزلانها الطافرة وبحيراتها الفاتنة، أو تصحبه إلى جزيرة الكنز فترى الطواويس والبط والإوز والكراكي ومـالـك الحزين والفلمنك، أو تتسلق معه الشجرة العملاقة العجيبة، فلا تشـكّ لـحـظة بأنهـا شجـرة طبيعية بأوراقهـا النّضـرة وغصونها الممتدة في الفضاء، حتى يعلمك المؤلف أنه اكتشف أنها من الإسمنت وأنها عجيبة فنيَّة لا بدَّ من أن تحتلَّ الصدارة بين عجائب الدنيا السبع . ولم يسع المؤلّف العبقري إلا أن يكبر عبقرية والت دزني الذي خطَّط ونفَّذ بناء مدينة الغرائب والعجائب العلميّة المُذهلة، وكذلك أن يكبر العلم والعلماء، ويحيي القرن العشرين المُدهش في اختراعاته، وذلك بعد أن زار «کایپ کنـدي» حيث شاهد الأجهزة التي استعملت للصعود إلى القمر، واستمع إلى أحاديث الرواد الثلاثة وهم يصفون العالم الجديد الذي يشاهدون.

 

وحريٌّ بالذكر أنّ المؤلّف رأى في «عالم دزني» متجرين يبيعان ألعاباً سحـرية، وكـان النـاس يتهافتون إلى الابتياع منها، والأطفال الأمريكيون يلعبـونها بعضهم أمام بعض، فيما أحد الخبراء يشرح للمهتمّين بالألعاب كيفية عملها؛ فعلّق على ذلك بأنه لو قام بهذه الألعاب السحرية أحد ما في الشرق، لرأى الناس فيه قدرة خارقة، ولما أقنعه أي برهان بأنّها مجرّد ألعاب مبنية على حيلٍ علميّة. فالغرب ، برأي مؤسس الداهشيَّة، سيبقى غرباً، والشرق شرقاً، كأنما الشرق حُكم عليه بأن يبقى راسفاً في فيود الأوهام التي تبعده عن العقلانية .

 

 

ولئن أكـبـر الـدكتور داهش العلم والعقل والفن في أمريكا ، كما أكبر الحريّة وسيادة القـانـون فيها في رحلات أخرى ـ فقد أنذر شعبها العابد للدولار، وذلك بعد أحداث مدَّته بالاختبار المرير لما لمسه أحياناً من جشع وظلم في المعاملة، فقال :

«أميركا صنم ضخم رأسه من الذهب ،

وصدره من الفضة، ورجلاه من النيكل،

ينظر بسخرية إلى الجماهير المحتشدة حوله ، الجاثمة أمام نعليه ،

المحدقة بجشع إلى رأسه المتوهج تحت أشعة الشمس! [ . . . ]

إذا لم يرعو أبناؤك عن الشير في الطريق المعوج،

فسيأتي يوم، عاجلا أم آجلا، تُمطرك فيه السماء، يا نيويورك ،

بقنابل نووية تجعل عاليك سافلك . . . »

 

البعد الوجداني :

البعـد الوجداني خطٌّ نفسيٌّ عام ينتظم جميع «الرحلات الداهشيّة»، ذلـك بأن المؤلف يصف فيهـا لا الـوقـائع والأحوال المادية والمعنوية في محيطه الخارجي فحسب، بل مواقفـه واتجاهاته ولواعجه النفسية أيضا. فمنـذ الصفحة الأولى من هذا الجـزء، يشعر القارئ بأن المؤلف يرتحل حاملاً آلام يده كأنَّما يحمل صليبه في درب الجلجلة، وذلك منذ السقطة المشؤومة التي أصيب بها في 1976 /4/16 ؛ بل يعرف القارئ أن أوجاع يده ما زالت تتفاقم، وتصلّبها وورمها ما برحا يزدادان، رغم معالجتها بكلِّ  وسيلة طبيَّة مُمكنة، وعلى مرور عدّة أشهر عليها .

 

وبموازاة آلامه الجسديّة تلوح لنـا آلامه النفسيّة، كلما تقدَّمت بنا الرحلة : آلام من محيطه البشريّ الخاصّ الذي انتهى منه إلى خلاصة أكيدة هي عدم ثقته بأيِّ إنسان، لانتفـاء وجـود الإخلاص الحقيقي والصداقة المتنـزهـة عن المارب الشخصيّة؛ وآلام من المحيط البشريّ العامّ الذي جعله يسخط على الأرض وأهلها. لكن هذه الآلام المزدوجة نراه يلطفها أحياناً ببلسم العزاء بمن حوله من المؤمنات اللواتي يرسـل فيهن نفثـات وجـدانية هي ذوب الـرقّة والتحنان والحبّ الروحيّ المحض، أو يحـاول أن يتنـاسـاها مُغرقاً واقعه المؤسي بمناجياته الرائعة للشمس أو لعصفور أغادير المغرّد أو للوردة التي هَمَّت منها دمعتان سرعان ما نتبين أنهما اثنتان من بتلاتها. وسواء اتجهت نجاواه هنا أو هناك، فلا مناصَ من أن ترتعش مشاعرك للصدق العاطفي النابع من أعماق نفسه كما النّبع الزلال ينبع من قلب الجبل الصافي المتوّج بالثلوج الخالدة . على أن ثمة ملمحاً وجدانياً مميزاً نلمسه في هذه الرحلة يبرز جانباً من شخصية المؤلّف الروحيّة التي يشفُّ عنها حلم راه فدوَّنه . مما ورد فيه :

 

«حلمت أنني جالس على عرش إلهيٍّ مَهيب، وقد تمنطقت بالشمس، واعتمرت بالقمر، وتزيَّنت بالكواكب ، وقد أمسكت البروق بيمناي، والصواعق استقرت بيسراي، وسارت العواصف بجانبي [ . . . ]

وسأنقض على أرضهم لأردِّمها فوق رؤوسهم ،

لأنهم عاثوا شروراً، وارتكبوا مفاسد هائلة .

 

الوصف الفني :

مع أنّ الغالب على أسلوب الدكتور داهش هو الوصف الواقعي الأمين الدقيق، والسّرد السلس المشرق الديباجة، فإن الخيال الفنّي يتدخّل أحياناً ليبـدع فلذاتٍ من الصـور الشـديدة الإيحاء، أو ليرسم لوحة رحبة تضجُّ بالتشويق والطرافة والإثارة .

فالطائرة في فراغ الجيوب الهوائية ترتجّ «كأنها طائر ذبيح ينتفض . » ومباني نيويورك تبدو، والطائرة تدانيها، «مرتبة كقطع الشطرنج . » ويسير بين خرائب أغادير التي نكبها الزلزال الشهير، فيخال إليه أنّه يشتمُّ «رائحة الموتى الذين دفنهم الزلزال أحياء في جوف الأرض التي انشقت وابتلعتهم . » وينظر إلى البطاح وقد غمرتها الشمس بأنوارها العسجدية، فبدت «كأنها بساط الآلهة في عروشها السرمدية.

ثم تأمّل هذه اللوحـة المُبتكرة التي رسمهـا المؤلّف بيراعته الحاذقة الساحرة، بينما هو يراقب الغيوم من الطائرة المتجهة إلى مطار الدار البيضاء :

 

ها إني أرى الغيوم وقد اتَّخذت أشكالاً عديدة :

فإحداها تمثّل جبَّاراً يستلُّ سيفاً ليحتز به رؤوس أعدائه ؛

ومن بُعدٍ بدت غيمة وكأنها جزيرة سحرية يقطن فيها الجن والمردة

وهم يرتدون حُللا بيضاء فضفاضة .

رسوم وتماثيل وهولات وفزَّاعات ،

وجيوشٌ لجبة من جبال القطن الناصع

تمرُّ أفواجاً فأفواجاً طوال هذه الرحلة البعيدة . »

 

 وتراه يصف مشاهد «عالم دزني» الغريبة وصفاً واقعيا حيَّاً حتى يخال إليك أنك بتَّ تشاركه في معاينة المشاهد، أو كأنّما المناظر المروعة تثب إلى عينيك من خلال كلماته الأسرة. إسمعه يقول : «ودخلنا أفواجاً إلى ممرٍ مستطيل في نهايته باب علّقت في أعلاه لوحة لرجلٍ نصفي ينظر إلينا نظرات حادّة . وثبتنا نظرنا فيه، فإذا به يتغيّر، إذ ازدادت حدّة نظراته، وما لبث وجهه أن استحال لآخـر، ثم ابتدأ يضمر ويتلاشى لحم خديه لتستبدل به عظام مجرّدة من أيّ لحم . أخيراً رأيناه وقد تحول إلى جمجمة تنظر إلينا بوقبيها نظرات جامدة . »

 

بعـد هذه اللوحـة الـوصفية الناجحة، يخال إلى أنَّ وصف مؤسّس الـداهشيَّة لمشـاهـد «عـالم دزني» العجيبـة قد يُغني الراغب في مشاهدة غرائبها عن الارتحال إليها، لما في الوصف من دقّة وحيوية وإيحاءٍ شديد . وفي الختام أتمنَّى أن تفتح بصائر المعلمين والمربين على كنوز هذه «الـرحـلات الـداهشيّة»؛ ففيها من فنون الوصف ما يوسع خيال الناشئة ، ويرهف ذائقتهم الأدبيّة؛ وفيها من ضروب الوجدانيات ما يحرّك عواطفهم ويؤجِّج فيها شعلة الحقّ والخير؛ وفيها من الفوائد الحضارية ما قد يغنيهم ، حال عجـزهم، عن التنقل بين البلدان . «فالرحلات الداهشيَّة» موسوعة ميسّرة تنطوي على طرفٍ من كل مُهمٍ في هذا العالم، وكل شائق مثير .

 

غازي براكس

نيويورك، ٢٦/ 1/ 1991

 

21آب1976

وصلت فوته وكريمتاها لوداعي

وألمُ يدي شديد

ظهر اليوم، وصلت فوته وكريمتاها لكي يودعنني ، لأنني سأسافر ليلا إلى المغرب . فجلسنا نتحدَّث في شتّى الشؤون، ومنها موضوع يدي التي يزداد المهـا بمـرور الأيام وكـرور الشهـور، وعلمها أصبح عند الله جلت  قدرته، فعساه يشفيها بمنّه وكرمه . إن أوجاعها اليوم عظيمة للغاية، وتصلّبها مخيف، وورمها، بعد مضي أربعة أشهر وأسبوع، يدعو إلى الخشية . وحقيقة الأمر أن استمرار ألم يدي وعدم شفائها، بعد هذه المدة الطويلة ، يدعوان للعجب العجاب . فالناس عندما يصابون بأيديهم ، يتماثلون للشفاء بعد كل يوم يمر. أما أنا فأمري يختلف عنهم تماماً، إذ إن يدي تتفاقم سوءا في كل يوم يمضي عليها! أوليس هذا عجيباً للغاية؟

 

التأهب للسَّفر

أحضـرت حقيبتي السَّفـر، ورتَّبتهـا لي كريمـة فـوتـه الصغـرى . أما الحقائب الأخرى وما أبقته زينا وشقيقتي أنتوانت من حقائب، فقد طلبتُ إلى قوته وكريمتيها أن يأخذنها جميعاً ليحفظنها لنا بمنزلهن .

 

وداعي لفوته وكريمتيها

 

في الساعة السابعة إلا خمس دقائق ، ودّعت فوته وكريمتيها . فاستقلّلن سيارتهن «الكـاديلاك»، بينما وقفت أنا على شرفة المنزل ألوح لهنَّ بيدي مشيعاً إيَّاهن، وهنَّ يلوّحن لي بالمثل .

وفي السابعة إلا دقيقتين، غابت سيارتهن عن عيني، فشعرت بحزنٍ جارف يهيمن عليّ، وإذ ذاك صعدت إلى غرفتي وكتبت القطعة التالية :