info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "أناشيد عابد"

أناشيد عابد

 

وفجأة تدلَّهتُ بهَا

الفلاسفة والشُعراء أذاعوا مراراً وتكراراً

أنَّ السعادة في عالمنا المادّي

إنما هي وهمٌ زائف وظلٌّ طائف.

وأنا أقول إن السعادة زارتني اليوم فجأةً.

وعندما شاهدتُها شدهتُ لجمالها الإلهي ولرقَّتها الفرودسية،

وقد جالستُها وجالستني، وحدثتها وحدثتني،

ثم انكببتُ على فمها السحري، وأوسعتُه لثمًا وتقبيلاً،

ونظرتُ إلى عينيها الفاتنتين، فشاهدتُ من خلالهما

جنَّة الخُلد الرائعة في سعادة فردوسية.

وما عتمت أن قبلتُ صدرها بنهمٍ عجيب وشوقٍ غريب.

وكلما كنتُ أُقبلها، كانت النارُ الكامنة في فؤادي

تزدادُ استعاراً، فأكررُ قبلاتي العارمة لها.

ولو كان بوسعي أن ألتهمها لما تأخرتُ لعظيم ولهي بها.

ثم تملَّى نظري نهدها الذي يتمنَّاه جوبيتر

إله الآلهة وربُّ الأرباب،

فكدتُ أن أفقد صوابي لعظيم لذَّتي.

ومما أؤكده الآن أنه لو أُتيح لي

أن أعبُدها طوال حياتي لما تأخرت.

إن هذه السعادة التي زارتني هي من لحمٍ ودم.

هي أنثى شهية.

هي ذات رقة يحسدها الفراش عليها.

هي طاقة من ورود جنَّة النعيم،

وباقةٌ من أزهار حديقة أفروديت.

إن حلمي الذي كنتُ أظنه خيالاً قد تحقَّق بمجيئها إليَّ.

إنها حبيبتي الوحيدة الفريدة التي لا أرضى عنها بديلاً

حتى لو كانت إلهة إلهات الجمال.

أتعرفون من هي هذه الغادة الفاتنة،

والمتلاعبة بالعقول والقلوب؟

إنها معبودتي، وكفى.

                                                            بيروت، في 14/2/1976

 

 

في أيَام المسيح

 

زينا زينةُ الدنيا.

كانت قديمًا في بيت عنيا،

مع المسيحْ،

وهذا صحيحْ.

وقد شهدتْ شفاء الكسيحْ،

فمجدتْ وسبحت وأي تسبيحْ.

زينا، زينا،

هي زينةُ الدنيا وما فيها.

                                                                    بيروت في 22/2/1976

                                                                    الساعة 5 و 20 دقيقة مساءً

 

الرسالة الداهشية تهاجر

 

بزغتْ مثلما تبزغُ ذكاءُ، فإذا بصرُ الشعوب إليها رانِ

وأشرقتْ، فإذا سناها يبهرُ اأنظار بلونه الأرجواني

صرختْ: إليَّ يا شعوبَ الأرض اهرعوا، فالعمر فانِ

فكلُّ من يستعبدهُ جمالي، يحظى بسعادة وأمانِ

ومن يُشِحْ بوجههِ عنّي فإنه يُسْتَعبدُ للشيطانِ

أنا فتنتي فيها عذابٌ، وعذابي يستحيلُ سعادةً لخلاني

وانبرتْ تُبدي محاسنها على الحشد، الصادقِ منهم وذي الروغانِ

أنا أجملُ نساء الأرض، قالتها بتصميم، فاستوعبتها كافةُ الآذان!

عجبًا! أيتيه البدرُ على بدرٍ ساطع في السماء ثان؟!

ضحكت حسناؤُنا لما حباها الله به من حسنٍ فائقٍ نوراني

والطيورُ شدت طربًا لمرآها وهي تُداعبُ عقدها الجماني

شُدِهتُ بها، وعصفت برأسي عذابُ الأماني

وتلاعبت بي الأهواءُ، فأصبحتُ كريشة في مهبِّ الطعان

لمستُ أناملها الغضة البضَّة، فابتسمتْ، فإذاني غريقُ بحرٍ ذي هيجانِ

هلعتُ عندما توارت بين ورود ونسرين وجُلنار قان

تبعتُها بتبتُّلٍ أُريدُ عبادتها، والعبادةُ وُجدت فقط للرحمانِ

أنا ما كنتُ عاشقًا سواها، وبحبها لستُ بالمتواني

الخالق أضفى عليها بُردة الحسن، وزوَّدها بالرقةِ والحنانِ

فهي فتنةٌ للحدائق الغناءِ، هي مليكةُ الجِنَانِ

هي ظبيٌ شرود يرتادُ حدائقَ المنَّان

هي فراشةٌ منمقة تطير فرحًا على الأفنانِ

تُرنِّم بهجةً بنغمٍ ساحرٍ يبهجُ المرء، فإذاهُ من أجلها مُتفانِ

وإذا أراد اللهُ لي سعادةً، منحني أن ألقاها وتلقاني

فأعيش معها عُمرًا مديدًا، مُدلَّهاً بها، عازفًا على كماني

هي ليست كاعًبا تُدلُّ(1) عليَّ، كلا وليست من القيانِ

إنها الرسالةُ الداهشية تُهاجرُ لأمريكا، نابذةً وراءها جبالَ لبنان.

                                            باريس، الساعة الرابعة من فجر 10/3/1976

-------------------------------

(1) تُدِل: تتغنج.

------------------------------------------------

 

مخاوفُ مُدلهمة

الساعاتُ تمرُّ، والوقتُ يفرّ، وأنا، أنا لستُ بمستقرّ.

الأيامُ تتسربُ، والأعوام تذوبُ، والعمرُ يفنى إذ سيكتنفُه غروب.

لقد كنتُ طفلاً يحبو، ثم أصبحتُ يافعًا، ثم شابًا،

وأخيرًا، لفني الزمانُ، فغدا بي هَرمٌ، تعبتُ من الحياة والحياةُ ملَّت مني.

فأسرعْ أيُّها القضاءُ واختطفني.

إحملني وحلق بي نحو مدينة مجهولة،

مدينة لا تمتُّ لمدن أرضنا بسبب.

ودعني أتجول في منعطفاتها علي أكتشف سرًّا خفيًا

يُحبِّبُ لي وجودي، بعدما لعنتُهُ في أرضنا الشقية.

تسربي يا ساعات حياتي وتلاشي،

ففي تسربكِ انطفاءُ شعلة حياتي.

لقد أحاطت بي المخاوفُ،

ولازمتني الأهوالُ الجسام،

وقطنت في أعماقي الوساوسُ،

فبتُّ وكأني مخلوقٌ قادمٌ من عالم، كل ما فيه مُرعب!

إن أشباح الظلام تعبثُ بي وتُلاشي طمأنينتي،

وتدعني أحيا في جحيمٍ تخافُه حتى أبالسةُ الظلمات المُدلهمة.

فليت الذي وهبني الحياة يعود ويستردّها مني ثانية.

ليطفأ قنديلي، وليُسكبْ زيتهُ كي لا يعودَ فيضيء،

فتجربة الحياة إنما هي رعبٌ قاتلٌ وهولٌ مُردم.

فاظهرْ أيها الموتُ، وتجلَّ لي، فإنني لا أخافك.

إنما يخافك كلُّ من يتشبَّث بهذه الحياة التافهة.

وما دمتُ قد خبرتها وتذوَّقتُ علقمية مرارتها،

لهذا أُهيبُ بك أن تُنهي وجودي،

إذْ بمماتي تبداُ ثانيةً حياتي.

           كُتبت في طائرة الجامبو الذاهبة من باريس إلى نيويورك

            تاريخ 10/3/1976، الساعة الخامسة و24 دقيقة بعد الظهر