info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى " وغرُبت الشمس " بقلم محمد ذيب عطوي

 

محمد ذيب عطوي

وغرُبت الشمس

 

توطئة

                                                                            

   يضمُّ هذا الكتاب بين دفّتيهِ مجموعة أفكار وأحاسيس وخواطر بدأ بترجَمَتِها المؤلّف ووضْعِها ضمن الإطار الأدبي بدءاً من العام 1974. هذا العام الذي شهد التحوّل الروحي والفكري في حياة الكاتب وذلك بعد تعرّفهِ إلى الدكتور داهش وتقبّله له هادياً ومرشداً ومخلّصاً،.. وهو العام الذي أعلن فيه المؤلف عن ولادته الثانية حيث نراه يودّعه بهذه الكلمات:

" إمضِ يا عام،

إمضِ بما حملته لي من جواهر لا تُقدّر بثمن،

إمضِ فلن أنسى بهاءك مهما حييت،

وكيف أنسى وبك ولدتُّ، ولدتُّ وكان عمري الأرضيُّ 25سنة.

25سنة قضيتها في صراعاتٍ رهيبةٍ لا تُغني عن الحقِّ شيئاً، قضيتها وكأنها لم تكن.

وهكذا نرى، أخي القارىء، أنّ تعرّف الكاتب إلى الدكتور داهش لم يكن أبداً بالأمرِ العادي في حياته، إذْ أنّه أفرغ جعابه من زاد ماضيه حيث كانت تتصارع بداخله صراعات رهيبة بحثاً عن نفسه وعن حقيقة وجوده.. واختار درب داهش، فراحَ يتهادى عليه متلمّساً الحقائق الروحيّة، ناهلاً من عينها ما استطاعت سعة قدرتهِ أنْ تستوعب وتتحمّل، ومعلناً على الملأ إيمانهِ برسالته:

وبداهشٍ أنا مؤمِنٌ

"فلكلِّ قومٍ هادْ"،

   نعم هو الدكتور داهش بأفكاره وتعاليمه مَنْ يقف خلف كلّ كلمةٍ خطّها المؤلف في هذا الكتاب. وهو الدكتور داهش مَنْ دفعَ بهِ إلى رأس الجبل، ومِنْ ذلك العلو، ومن خلال عينيه وفكره وقلبه، نظر إلى العالم وإلى كلّ ما يدور من حواليه نظرةً ثاقبة وأخذ ينقل المشاهد التي يراها ويحسّها مشهداً مشهداً كشاهدٍ رفض الواقع المؤلم وآلمه وقعهِ على مستقبل البشرية الروحي:

"لا شكّ أنّ هناك غاية لوجودنا الإنساني على ظهر هذا الكوكب التّعيس الشّقي بقاطنيه، وهو الذي وصفه رسول الله بنار المؤمن وجنّة الكافر، ووصفه يسوع ا لفادي بالعالم الزّائل الفاني، والغاية أيها الضّائعون المتبلبلي العقول ما هي إلاّ تنقية النّفس من شوائبها وأدرانها، والارتفاع بها حيث البهاء والسّمو والتّعالي .."

   نعم هو الدكتور داهش مَنْ أغدقَ عليه بالمعارف والحقائق عن واقع الحياة وأسرار الموت وخفايا العوالم المعروفة والمجهولة، وهو لا ينكر له ذلك، لا بل نراه يثبّت داهش في حياته معلّماً أنار له درب الله ومحبّة رسلهِ وهداته:

"علّمْتَني حبَّ المسيح الفادي

علّمْتَني عشق الرسول الهادي،

علّمْتَني لله وحده العبادة

علّمْتَني لصادق الأعمال وحده القيادة،

علّمْتَني الكثير والوفير

علّمْتَني للحقِّ أنْ أكون نصير،

لذا بحبّكَ قلبي نابض

ويداي لمحراث الحقيقة قابض،

فالشكر لله الواحد الأحد

على ما علّمْتَني يا داهش الأبد."                                                                

وأخيراً، أخي القارىء، "وغربت الشمس" نضعها الآن بين يديك وفاءً للكاتب بعد مرور عام على وفاته (توفي في 20 تموز 2015)، وقد تمَّ اختيار هذا الإسم من وحي المناسبة بعد أن غَربت شمسه عنّا لتسطع في مكانٍ آخر.

ملاحظة: نرجو أنْ لا يُؤخذ علينا ورود أخطاء في إعداد هذا الكتاب، إذ آلينا على أنفسنا أن نترك الأمور على حالها إلّا في بعضٍ منه حيث عملنا على ما استدعى التدقيق.  

                                                                               أسام محمود عطوي

                                                                                 20/6/2016                                                                

لبنان إنسانك اليوم

     هُنا وهُناك،

     في بيروت وطرابلس، في زحلة وصيدا وصور،

     شبابٌ وشابّات،

     رهبانٌ وشيوخ،

     متعلّمون وجهلة،

     فُقراء وأغنياء،

     بُسطاء وزعماء،

جميعهم للسلاحِ حملوا، وبالخناجرِ تمنطقوا، وللقنابل كدّسوا، وللخنادقِ حفروا، وللمتاريسِ أقاموا، فانقسم الميدان بين يمينٍ ويسار، و(مسيحية) و(إسلام)، فلعلع الرّصاص، هدرت المدافع، وتفجّرَ البارود، وسال الدّم سيلان بركانٍ غاضبٍ فائر، وكُشِّرت الأفواه عن أنيابٍ أين منها أنيابُ الذِّئابِ السِّيبيرية، وطالت الأظافر فكانت كمخالبِ أشرسِ الحيوان، وكان ذلك كلّه لتقتل دون رحمة، وتفتك دون شفقة.

     أتباع يهوذا، ذاك البائع سيّده(سيّد المجد) الطّاهر برنين الفضّة، يريدون بيع الإنسان في لبنان، ناهجين نهج سيّدهم ومُعلمهم الأسخريوطي اللّعين.

     وأ تباع يزيد السِّكير المُعربد، قاتل حفيد رسول الله ببريق السُّلطةِ، يذبحون الإنسان اليوم في لبنان، وهم بذلك مُخلصين وأوفياء لمرشدهم وسيدهم يزيد الشّيطان.

     وأتباع شهوات الحسِّ والحواس، أولئك الجاعلين من القرن العشرين أنهار دماءٍ قانية، فإنهم يريدون نحر الإنسان في لبنان، وهم ما خرجوا بذلك عن درب سادتهم الجزّارين بعدما لنفوسهم السّادية تقمّصوا.

     وأمّا أتباع الجلاد فرنكو، فإنك تراهم يستميتون في تنفيذ كلّ طرق الجلاد وأساليبه الدّكتاتورية البغيضة.

     هؤلاء هم المتصارعون اليوم في لبنان، تراهم أخصاماً في الظّاهر، وحُلفاء في الغاية والهدف، والكلّ، نعم الكلّ، شيطانُ الأرضِ يسيرهم، ونفوسهم الخبيثة المملؤة مكراً وخداعاً ودمويةً هي وحدها الّتي تنير لهم دروبهم، وكم كان وصف الكتاب المُقدس صادقاً حين وصف أجدادهم، وما هم إلاّ امتداداتهم اللعينة، فقال بهم وبأمثالهم:

  • ما من أحدٍ بار، لا أحد
  • ما من أحدٍ يبتغي وجه الله،
  • ضلّوا جميعاً ففسدوا معاً.
  • ما من أحدٍ يعملُ الصّالحات، لاأحد،
  • حناجرهم قبورٌ مُفتّحة، وبألسنتهم يمكرون،
  • سمُّ الأصلالِ على شفاههم،
  • أفواههم ملؤها اللعنةوالمرارة،
  • أقدامهم تخفُّ إلى سفك الدّماء،
  • وعلى طرقهم دمارٌ وشقاء،
  • سبيل السلام لا يعرفون،
  • وليست مخافة الرّبِ نصبَ عيونهم*  

فيا هداكم الله، أفيقوا، إنهضوا من سباتكم العميق، اخرجوا منْ ظلام كهوفكم العفنة، ولتستنيروا بنور الحق السّاطع.

     أيّها الضّالون المخادعون، قايين لم يكن شيطاناً مارداً قطْ، ولا هابيل ملاكاً سماوياً مُتجسداً، بل هما كانا من أبناء أدم السّماوي، وتقاتلا، والباعث كان الحسد والحقد، فكانت صفة إبليس لقايين كونه خضع بخنوعٍ لرغباته السُّفلية السّاقطة، وكانت الشَّهادة صفة هابيل وما ذلك إلاّ لخضوعه لميوله النّفسية العلوية الرّاقية.

     أيّها التائهون الحائرون :

الإنسان أخو الإنسان، أأحبَّ ذلك أمْ كان له كارهاً، هذه هي الحقيقة، فلا أسْودَ ولا أبيض، ولا مؤمن ولا كافر، ولا عالمٍ ولا جاهلٍ، ما كلِّ هؤلاء إلاّ بشراً، والله يشرق شمسه عليهم جميعاً ويرزقهم جميعاً، ويهب لهم الحياة جميعاً، وهو، نعم وحده هو، الحق له بأخذ ما أعطى، واسترداد ما وهب، وليس إطلاقاً لغيره من حق.

     أيها المبجّلون المحترمون:

غاية الطّالب من الجامعة تحصيل المعرفة، وعندما يتناسى الطالب غايته وهدفه، فلا يكترث إلاّ بالنّدوات والمؤتمرات والمباريات والإضرابات والمظاهرات، عندها لن يكون حصاده غير النّدامة والخيبة والفشل الذّريع..

       فيا رعاكم الله،

لا شكّ أنّ هناك غاية لوجودنا الإنساني على ظهر هذا الكوكب التّعيس الشّقي بقاطنيه، وهو الذي وصفه رسول الله بنار المؤمن وجنّة الكافر، ووصفه يسوع ا لفادي بالعالم الزّائل الفاني، والغاية أيها الضّائعون المتبلبلي العقول ما هي إلاّ تنقية النّفس من شوائبها وأدرانها، والارتفاع بها حيث البهاء والسّمو والتّعالي، (فما خلقت الأنس والجن إلاّ ليعبدون) أي يعرفون، وللحقِّ يخضعون وبطرقه يسيرون، وطريقة ذلك ممارسةٌ للفضيلة وتمسّكٌ بأهدابها، ونبذٌ للرذيلة قولاً وعملاً وتطبيقاً، وصقلٌ للنفس بمحاربة خصائص الغرور والكبرياء، والخضوع لمحبّة السّلطة والتّسلط. وعندما ننسى غاية الوجود الأصلية، فلا بدّ ساعتذاك من حصادٍ مخيف، وفشلٍ ذريع.

       لبنان انسانك اليوم سلك دروب الشّيطان، وها هو يحصد نفوس المعذّبين التّائهين الضّائعين، وما خوفي إلاّ على إنسان هذا الكوكب من أن يسلك هو الأخر درب انسان لبنان، وعند ذاك سيمضي ويلٌ ليحلَّ مكانه ويلات. فهل من يسمع؟ وهل هناك (مِنْ ذوي الحلّ والرّبط) مَنْ يعي؟ أمْ أنّه ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون؟

                                                                                                     20/3/1976