info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "جبران خليل جبران" في دراسة تحليلَّة- تركيبيَّة للدكتور غازي براكس

 

جبران خليل جبران

 

توطئة

مُبرر الدراسة:

ما برح جبران أحد أقطاب الجاذبية في اهتمامات الأب العربي الحديث(1)، وما زالت دائرة قرّائه، في العربيّة والإنكليزية، تزداد اندياحًا(2).

وفضلاً عما حققه إنتاجه من حضور دائم، صريح أو خفي، في النشاط الأدبي المعاصر، فإن شخصيته الفذة نفسها غدت مثار اهتمام جديد، إثر اكتشاف مذكرات ماري هاسكل(1873 – 1964) ومجموعة الرسائل الضخمة التي تبادلاها(3). هذا التصاعد الجبراني دعانا إلى الإضطلاع بدراسة مُميزة تُتمم ما وضعه السابقون.

ما كُتِبَ في جبران تتوزعه ثلاثةُ أنواع: نوعٌ تختلط فيه الحقائق    بالأوهام، وينساق صاحبهُ في أسلوب روائي، فإما أن يجمع به انفعالُ المناصرة والإيمان حتى التخيل المحموم والتصديق الأعمى، كما الحال في مصنّف برباره يانغ(1) ؛ وإما أن يستهويه عرضُ الذات، فيصبح الراوي بطل الرواية، وكأن المنافسة استغوته فاستبد به نزوٌ خفي إلى فضح المثالب متنكر بالحرص على الواقع، وحدته رغبٌة مستوردة في رفع الهالة عن رأس جبران ليُحيط بها رأسه، كما الحال في كتاب ميخائيل نعيمه، حسبما ذهب نقّاده(2)؛ وإما أن يتسربل صاحبُه بالرصانة، مدافعًا عن الفضيلة، فإذا تحت ثوبه ميلٌ للتجنّي على صاحب "النبي" بهَتْك الكرامة الروحيّة التي جلّلَتْ شخصه، وقذفه بفساد النية لتهديم الأخلاق والأديان، كما الحال في محاولات أمين خالد(3). ونوع ثان يحاول التوفيق بين النقيضين وتحاشي أخطاء الطرفين، فينجح تارةً، ويفشل طورًا، لعدم التزام التحري الدقيق، ولانزلاقه، أحيانًا، في ما زلَّ به المختصمون،

___________________________________________________________

(1)Barbara young, this man from Lebanon: A study of kahlik Gibran, New York, A.A. Knopf, 1945.

راجع في نقد مصنف يانغ: K.HAWI, k. Gibran, p.77-80 وكذلك: انطون كرم – محاضرات في جبران خليل جبران، ص 6

(2) جبران خليل جبران: حياته، موته، ادبه، فنه بيروت، دار صادر ودار بيروت، الطبعة الأولى 1934. حملة النقاد على نعيمه كانت شديدة، ويمكن تبين بعض معالمها في المصادر الآتية: توفيق صايغ –أضواء جديدة على جبران، ص 13 و 24 – 27؛ وحول علاقة جبران بنعيمه ص 190 – 191؛ فليكس فارس – رسالة المنبر إلى الشرق العربي 010 يناير 1936) ص 153 – 225؛ عيسى الناعوري – مجلة الرسالة (جونيه) ¾ ص 62 – 63؛ الحكمة 6/4 ص 33 – 34 ؛ الأديب 15/10 ص 12 و 15؛ خليل هنداوي – مجلة الرسالة (مصر) ، 1935، ص 438، 479،559،569؛ حسن كامل الصيرفي – المقتطف ج 86، عدد 2، ص 242؛ ايليا أبو ماضي – السمير 1935، عدد 18 ، ص 18 – 21؛ عبد المسيح حداد – العصبة الأندلسية 1948، عدد 9، ص 443؛ شكر الله الجر – الأندلس الجديدة 1935، شباطن ص 28؛ انطون كرم – محاضرات في جبران خليل جبران، ص 6 – 7؛ طنسي زكا – بين نعيمة وجبران، وخاصة الفصل الثالث، ص 141 – 211؛ كعدي فرهود كعدي – ميخائيل نعيمه بين قارئيه وعار فيه، ص 153 – 183؛ 77-73 k.HAWI,K. Gibran, p..

(3) محاولات في درس جبران، بيروت، المطبعة الكاثوليكية، 1933

___________________________________________________________

 ومثاله مُصنف جميل جبر(1)، وكتابات أَنِّي أُوتو(2)، ومؤلف عدنان سكيك(3). ونوعٌ ثالث استقام فيه التحقيق، واعتل البحث متّبعًا منهجيّةً علميّة، فقل الخطأ، وندَرَ الشطط، كما الحال في جراسة خليل حاوي(4)، ومباحث أنطون كرم(5)، وكتاب روز غريّب(6). ولا نجد لزامًا علينا أن نفصّلَ النقد لهذه المؤلّفات الرئيسة أو لسائر ما كُتِب في جبران(7)، فذلك لا ينفع دراستنا، ويتيه عن غرضها؛ فجلُّ مُستفادنا منها بعضٌ من وقائع الحياة المُحَقَّقة نُلمع إليه حيثُما يجب.

والأبحاثُ التي تناولت أدب جبران كادت تستنفد، في مجموعها، استعراض معانيه الظاهرة وقيمة الإصلاحية وصيغة الفنيّة، وتحليل عواغمله التاريخية والإجتماعية والثقافية؛ لكنّها لم تبلغ الغاية في فضّ لغز شخصيّته وتحليل تطوّراتها، وتعليل متناقضاتها، واقتحام هيكل الأسرار في أدبه وخاصّة في فنّه؛ ذلك بأنَّ الدراسين لم يُفيدوا من المكاسب التي حقّقتها الأبحاثُ الأدبيّة

__________________________________________________________

  1. جبران: سيرته، أدبه فلسفته ورسمه، بيروت، دار الريحاني، 1958.
  2. ANNIE SALEM OTTO, THE Parables of k. Gibran, N.Y., The Cit, press, 1963- The Art of K. Gibran, Port Arthur, Texas, Hinds Printing Co. 18965.
  3. النزعة الإنسانية عند جبران، الهيئة المصرية العامة  للتأليف والنشر، 1970. وهذا المصنف رسالة جامعية، لكن صاحبه، على محاولته أ، يلتزم فيه نهجًا علميًا، لم يستفد من الأبحاث الرصينة الأخيرة التي وضعت في جبران، قبله، وخصوصًا الرسائل المتبادلة بين جبران وهاسكل.
  4. KHALIL S. HAWI, Kahlil Gibran, His Background, Character and Works, Beirut, A.U.B., 1963.
  5. محاضرات في جبران خليل جبران: سيرته وتكوينه الثقافي، مؤلفاته العربية، القاهرة، معهد الدراسات العربية العالية، 1964.
  6. جبران في آثاره الكتابية، بيروت، دار المكشوف، 1969.
  7. انظر ثبتًا بهذه الدراسات في "جبران خليل جبران: مختارات ودراسات" لسهيل بشروتي، ص 129 – 148 من القسم العربي؛ وص 162 – 165 من القسم الإنكليزي.

في سيكولوجيا الفن(1)، فضل الجم من آرائهم وتخميناتهم حول سلكونه وإبداعه الفني على عجز أ, تباين أ, تضارب. وهذا يرسم الخط المميز بيننا وبين السابقين؛ فقد اختطوا لهم نهجًا نقديًا أدبيًا تاريخًيًا، والتزمنا نهجًا يستفيد من نتائج الأبحاث النفسية. ولسنا ندَّعي أننا نقدم دراسة سيكولوجية بالمعنى العيادي، فذلك يخرج عن اختضاصنا، إنما هي محاولة تعليلية تأويلية لإضاءة ما كان مُعتمًا في فهم أدب جبران ورسمه وشخصيته.

          إن دراسة الأدب والفن على ضوء علم النفس أصبحت منهجًا مالوفًا لدى الباحثين الغربيين، وبدأت تشق طريقها في المباحث النفسية العربية؛ فلسنا أول من يقوم بها. فقد وُضعَت في الغرب عشرات الدراسات السيكولوجية المعتمدة شتى المذاهب النفسية، ولا سيما منحى التحليل النفساني الذي وضع أُسُسَه سيغموند فرويد (1856 – 1939) ومنحى علم النفس التحليلي الذي أرسى قواعده كارل يونغ (1875 – 1961). (2) أمّا في اللغة العربية فقد

____________________________________________________________

  1. باستثناء محاولة فلسفية وجيزة لغسان خالد نشرت في مجلة "القضايا المعاصرة"، بيروت، ج 4, م 1، تموز 1970 وقد أطلعنا، مؤخرًا، وبعد إنجاز دراستنا، على رسالة مضروبة على الآلة الكاتبة قدمتها الآنسة ناهدة الطويل إلى قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية بعنوان "شخصية جبران خليل جبران – جراسة نفسانية"؛  فإذا بها لا تتعدى المئة صفحة، وتقتصر على دراسة شخصية جبران دون أدبه ورسمه، ويطغى عليها التحليل الفرويدي. وقد سبق للآنسة المذكورة أن اتصلت بنا قبل إعداد رسالتها فأطلعناها على بعض أفكارنا.
  2. من المناحي السيكولوجية المطبقة على دراسات الفن، يجدر بالذكر، أيضًا: المنحى الاستيطاني وزعماؤه فيشر (1807 – 1887)، وليبس (1851 – 1914)، وفولكلت (1884 – 1930)، وعغروس (1861  - 1946)، ومويمان (1862 – 1915)، وشيلر (1874 – 1928)، وباش (1863 – 1944)؛ والمنحى التجريبي ورائده فختر (1801 – 1887)، وڤونت؛ والمنحى الفينومينولوجي وأعلامه غايغر (1880 – 1938) وهارتمان (1882- 1950)، ودوفرن؛ ومنحى النقد التحليلي النفسي الذي وضع أسسه باشلار. ومن أراد التعمق في هذه المناحي فليراجع المصادر الآتية:

F.T.VISCHER Aesthetik oder Wissenchaft des Schonen; TH. LIPPS, Aesthetik, Psychologie des Schonen und der Kunst; J. VOLKELT, System der Aesthetik ; k. GROOS, Der aesthetische Genuss ; - Beitrage zur Aesthe-tik ; E. MEUMANN, Einfuhrung in die Aesthetik des Gegenwart; - System der Aesthetik; MAX SCHELER, Wesen und Formen der Sympathiep V. BASCH, Essai critique sur l’esthétique dramatique. G. FECHNER< Zur experminemtale Aesthetik, t II; W. WUNDT, Grundzuge der physiologishen Psychologie. M. GELGER, Ueber das Wesen und die Bedeutung der Einfuhlung : - Betrage zur Phanomenologie des asthetishen Genuses; - Zugange zur Aesthetik; N. HARTMANN, Zur Grundlegung der Ontologie ; - Der Aufbau der realen Welt ; - Aesthetik ; M. DUFRENNE, Phénoménologie de l’expérience esthétique, I : l’objet esthétique, II : la perception esthétique. G. BACHELARD, Formation de l’esprit scientifique ; - L’air et les songes ; - La terre et les rêveries de la volonté ; - La terre et les rêveries du repas ; - La poétique de l’espace ; - La poétique de la rêverie ; - La flamme d’une chandelle.

 

_____________________________________________________________

 

سبقتنا عدة محاولات. ولعل الفضل الأول في إبراز الاتصال الوثيق بين الأدب وعلم النفس، بصورة واضحة، يعود إلى أمين الخولي فيم قالتيه حول "البلاغة وعلم النفس" (1939) (1)، و"علم النفس الأدبي" (1945)(2). وبعده أصدر محمد خلف الله أحمد كتابه "من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده" (1947) الذي يعد أول محاولة عربية لدرس الصلة بين الأدب وعلم النفس على أسس موضوعية؛ ثم أصدر حامد عبد القادر "دراسات في علم النفس الأدبي" (1949)؛ ومحمد النويهي" ثقافة الناقد الأدبي" (1949)، و"نفسية بشار" (1951)، و"نفسية أبي نواس" (1953)؛ كذلك أصدر مصطفى سويف "الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة" (1951)؛ وعزّ الدين اسماعيل "التفسير النفسي للأدب" (1963)(3).

_____________________________________________________________

  1. مجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة، م4 ج2ن ص 135 – 168.
  2. مجلة علم النفس، م 1، ص 36 – 51.
  3. لعل أولى الإشارات النفسية في الدراسة العربية وردت في أبحاث طه حسين سنة 1914 حول "حياة الآداب" (الجريدة – ينايير 15،19،21،26،29؛ وفبراثير 3،7،28؛ ومارس 8). ولتها مباحث مبكرة لعباس محمود العقاد حول ابن الرومي وأبي نواس. لكن هذه المحاولات لم تكن قد ظهرت فيها أية معالم نهج نفسي معين، باستثناء دراسة "أبي نواس" التي حللت فيها شخصية الشاعر على ضوء "نرجسية" شاذة.

_____________________________________________________________

فالصنيع الفني، على كونه عملية إبداعية قائمة بذاتها تضبطها قوانين فنية مستقلة، يبقى على صلة وثيقة بقوة الفنان الواعية واللاواعية، من حيث إنه نشاط إنساني راق ينجم  عن عوامل نفسية، وتشده إلى صاحبه الأواصر عينُها التي تشد الولد إلى أمه، إذ هو في باطن مبدعه يصور، وفيه ينبت وينضج. وإنها لحقيقة ثابتة وعاها الفنا أم جهلها(1) . كذلك لا بد للصنع الفني من أن يُزاوج وجهه الاجتماعي وجه سيكولوجي شخصي بصورة دائمة. فإلى جنب "علم الاجتماع الإستطيقي" قدم شارل لالو "السيكولوجيا الاستطيقية"؛ يشهد على ذلك نسق طويل من الدراسات النفسية حول مفهومه الحيوي للفن(2). ولئن كانت شخصية الفنان أشبه بالنافذة يطل منهاعلى منظر الفن، أفيمكن تجاهل تأثير وضع النافذة واتجاهها ومدى ضيقها أو اتساعها على الرؤية نفسها! والفنان الحق، إن اختار أشياءه من العالم، فما انغلق على أناه، فلم آثر شيئًا دون آخر؟ وإذا كانت الموضوعات والأشكال مفروضة عليه أكثر مما هي معروضة لانتقائه، أفليس للتجارب الفكرية والوجدانية وللحركات الخيالية أبعاد وجذور مختلفة اختلاف أصحابها؟ وقدرة التلقط عينها ألا تحمل معيارًا ولونًا ذاتيين؟ وإن كانت مهمة الفنان ابتكار عالم خيالي، فما علةُ تباين مباني هذا العالم، حتى في البيئة الواحدة والعصر الواحد والثقافة الواحدة، إذْ فيها المُعافى والسقيم، والمُعقد والبسيط، والآمن والمضطرب! فالفن الذي يبدو الأبعد عن الذاتية، في ظاهرة، يبقى متسمًا بطابع شخصي. وليست الذات السطحية وحدها هي ما يُفصح الفنان عنه؛ فالصنيع الفني يُعبر، بالدرجة الأولى، عن الأنا الخفي العميق،

_____________________________________________________________

  1. C.G. JUNG, Problèmes de l’âme moderne, p. 345 ; l’âme et la vie, p. 273.
  2. CH. LALO, L’expression de la vie dans l’art, 1933 ; - L’art loin de la vie. 1939 ; - L’art près de la vie, 1942 ; - Les grandes évasions esthétiques, 1947 ; - L’économie des passions, 1947.

___________________________________________________________________________

 

الأنا اللاشعوري، المُتكون من مجموعة دوافع وصور وقوى مُعتمة تتفلت منا وتقودنا بغير وعينا. وليس نادرًا أن يشعر الأديب أو الفنان أنه بقدر ما يخلقُ صنيعه يكتشفُ نفسه؛ فكأنه ينتزع، شيئًا فشيئًا إلى ضوء النهار، نُتفًا من ذاته المجهولة(1)

سيكولوجيا الفن وصلةُ دراستنا بها:

إن تكن هذه الدراسة تمت إلى الأبحاث الأدبية بوشائج، منها العناية بتقصي سيرة الأديب واستكشاف معاني أدبه وتحليلها، فهي تتعداها لتوثق بعض صلاتها بسيكولوجيا الفن إذ تُعنى بدرس الظاهرات النفسية الشعورية واللاشعورية المتعلقة بإبداع الصنيع الفني وبحياة صاحبه. وسيكولوجيا الفن تتميز عن "علم الجمال" أ, "الاستطيقا" بمعناها الحصري والتي غرضها الأحكام القيمية لدى تطبيقها على التمييز بين القبح والجمال(2). ففي حين أ، دراسة الفن السيكولوجية تتناول الكيانات النفسية، لا يُعنى "علم الجمال" بالمتذوّق وبالفنّان وآثاره إلا كمصدر للتقويم أو كموضوع له. فالإستطيقا بهذا المعنى المحدود هي "علم معياري" قد يُعد ثالث المنطق والخُلفيات في الثالثوث الذي غرض أحكامه الحق والخير والجمال، كما تتميز عن "فلسفة الفن" بأن هذه الأخيرة تعني "كل تأمل فلسفي في الفن" وبالتالي تدع موضوع تأملاتها بكيانه الراهن وخصوصًا بأسُسه السيكولوجية، دون متناولها المباشر. ففلسفة الفن، بهذا المعنى، هي "فلسفة خاصة"، مثل فلسفة التاريخ أو فلسفة الدين اللتين لا تتحدثان عن التاريخ الفردي أو الدين الشخصي إلا عرضًا، في حين أن سيكولوجيا الفن تتمركز في الذاتي والعيني الحي.(3).

_____________________________________________________________

  1. j. BERTHELEMY, Traité d’Esthétique (1re partie: Psychologie de l’art), p.60.
  2. A.LAlANDE, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, art Esthétique, p. 302.
  3. J.- P. WEBER, La Psychologie de l’Art, p. 1-2.

_____________________________________________________________

كذلك تتميز عن "علم الفن" الذي ينطوي على عرض القواعد الأساسية للإنتاج الفني المتغيرة بتغير العصور والحضارات، أو على مباحث نظرية هي للفن بمثابة المساحة للهندسة، والطب للفيزيولوجيا، وعمل المهندس للفيزياء والكيمياء(1). وفي الحالتين بامكان علم الفن أن يهمل شخص الفنان أو المتذوق، في حين أن استجابات الأخيرين هي ما يعني سيكولوجيا الفن بالدرجة الأولى(2). وتتميز، أخيرًا، عن "الدراسة النقدية" التي تعتمد، في فحصها الآثار الفنية، مبادئ موضوعية أو ذاتية مستمدة من مذهب استطيقي معين(3).

وإذا تعذر دمج سيكولوجيا الفن كليًا بأحد ضروب المباحث التي ذكرنا، فهي تطابق كلا منها، جزئيًا، بحيث يكفي أ، نُغفل الكلام على الماهيات وموضوعية القيم حتى تصبح الاستطيقا مندرجة في سيكولوجيا الفن. وحسبنا أن نُوجه التفكير الفلسفية شطر التأمل الباطني أو الحدس حتى تربط سيكولوجيا الفن وفلسفته وشائج وثيقة. ويكفي ألا نُرسل النظر في تقنيات الفن وطرائقه بمعزل عن استجابات المتذوق، وأ، نسعى إلى كشف "السوائد"(4).

_________________________________________________________

  1. E.SOURIAU, LAvenir de l’Esthétique, p. 74.
  2. J. – P. WEBER, La Psychologie de l’Art, p. 2.

ممن ذهبواإلى فصل "علم الفن العام" عن الاستيطقا الألماني أوتيز FMILE UTITZ

(1883 – 1956) الذي وضع مصنفًا  بعنوان "أساس علم الفن العام" (1914 – 1920)

Grundlegung der allgemeine Kuntswissenschaft وفيه يبدي أنه إلى جنب "الاستطيقا" التي تدرس طبيعة الوقائع وقيمتها، ثمة مكان لعلم الفن الذي يتناول قوانين الفن ويساعدنا على تفم الصنيع الفني من الناحية التاريخية والقيمية. وقد ذهب شبه هذا المذهب ورينغر W)RRINGER( مولود سنة 1881) ودسوار MAX DESSOIR (1867 – 1947) الذي يرى أن علم الفن العام يدرس القيم الإنسانية والدينية والوطنية والعيلية الكبرى التي في مهمة الفن الأساسية التعبير عنها.

  1. J. – P. WEBER, La Psychologie de L’Art. P.2.
  2. أرتأينا وضع كلمة "سوائد" ترجمة لعبارة dominantes   وهي مجموع الصفات والشروط العامو الشكليو التي يقتضيها صنيع فني ما، ومن دونها لا يحقق وجوده، وهي تختلف باختلاف الفنون (ibid, p. 102) .

________________________________________________________________________

الصريحة لمختلف الفنون، على السطح وفي أعماق التأمل الاستطيفي، حتى يغدو "علم الفن" فرعًا أو قطاعًا من سيكولوجيا الفن بل من التحليل النفسي للفن. وأخيرًا إن الدراسة النقدية، من غير أن تختلط أي اختلاط بسيكولوجيا الفن، ليست أقل تابعية لها، لأن الناقد هو متُذوق محترف منوط، بصفته هذه، بالدراسة السيكولوجية، ومسهم، في الآن نفسه، بابداعها، وهكذا تقع سيكولوجيا الفن، مع احتفاظها بكيانها وملامحها الخاصة، في خط نسقٍ من النظريات والمناهج المعنية بالصنيع الفني. فهي أشبه بلوحة دوارة ينعكس عليها مجموع خطوط القوى التي تجتاز ميدان الفنون الجميلة، ومن هنا خطر شأنها للفيلسوف والسيكولوجي والفنان نفسه.(1).

على هذا الضوء، يقتضى إيضاحُ أن دراستنا لا تتخذ موضعها بين الدراسات السيكولوجية الصرف، فهي دراسة أدبية، أصلاً، توكأت على بعض المبادئ النفسية محاولةً فهم جبران على أضواء جديدة لم تُسلط عليه من قبل. ولذلك فهي لا تلتزم مذهبًا نفسيًا معينًا، سواء أكان منحى التحليل النفساني الفرويدي أو منحى علم النفس التحليلي اليونغي، أو سواهما من المناحي؛ ذلك بأن غايتها ليست تبرير نظرة سيكولوجية، أو اختبار مدى نجاحها في التطبيق، أو معالجة أمراض نفسية، بل محاولة فهم ظاهرات تخللت إنتاج جبران وسلوكه وبقيت مستغلقة في الجراسات الأجبية النقدية العادية، ولم تتناولها الأبحاث النفسية العربية. وهذه الغاية هي التي حددت ميزة دراستنا وغرضها.

 

 

 

 

ميزة دراستنا وغرضها:

إن اعتمادنا القواعد النفسية أتاح لنا، من جهة، أن نفهم جبران فهمًا جديدًا فنعدل الكثير من الأحكام النقية المرسلة في شخصه وإنتاجه، ومن جهة أخرى، أن نقدم تعليلاً وتأويلاً للغوامض والمتناقضات والتطورات في آثاره وسلوكه. فالدارسون لم يصيبوا في جعلهم أدبه صورةً مطابقة لحياته،

____________________________________________________________

  1. ibid., p.3-4.

____________________________________________________________

دائمًا. فليس للفنّ وظيفة تصوير الحياة وتكثيفها فحسب، بل له أيضًا عدّة وظائف سيكولوجيّة أخرى. منها أن يكون علاجًا نفسيًا فيه تعويض أو عزاء عن الواقع، أو إكمالٌ له أو فرارٌ منه. فالآخذون بالحُكم القائل  "الفن صورة الفنان"، أو" كما الأثَر هكذا الإنسان"، لا يسعُهم إلا أن يستهجنوا كل صنيعٍ فني مُباين لحياة صاحبه بمعناها العملي. ولكن استنكارهم غير مبني على أية قاعدة صحيحة. فهذا الحكم النقدي الشائع قائم على خطأ مرده إلى النظرة التي كانت تجعل طاقة الإنسان النفسية قوة موحدة يستحلُ تجزؤها ويتجه نشاطها اتجاهًا معينًا واحدًا. فقد أظهرت دراساتُ الشخصية أن الإنسان مجموع من الوحدات النفسية المتنوعة في قواها واتجاهاتها ضمن وحدة الشخصية الكبرى(1)، وأن بعضه في صراعٍ دائم مع بعضه(2)، وإذا كان كيانه في قُدُراته ورغباته وأفكاره وأفعاله الإرادية الواعية، فهو، أيضًا، في "طيفه"(3) ومخاوفه ودوافعه اللاواعية. ولهذا السبب، كثيرًا ما يضع الفنان في آثاره لا ما هو عليه حقيقةً، بل ما يظن أنه هو، أ, ما ريد أ، يصبح، أو ما يعجز عن أن يكونه، أ, ما يخاف أن يصير إليه. وفي جميع هذه الأحوال السيكولوجية يجب أن يُقال: "الصنيع ليس كالإنسان"(4)، إذا قصد بالإنسان تحقيقه الإرادي المباشر.

          كذلك لم يُصب الدارسون في تضخيم أثر البيئة العامّة في تكوين شخصية جبران وصنائعه، إذْ إنَّ المحيط الفاعل في الإنسان وإنتاجه إنما هو مجاله النفسي، ذلك بأن بيئة المرء الحقيقية لا يدخل فيها إلا ما له تأثير في خبرات الفرد الشخصية(5). ولا شك في أن للعوامل الثقافية دورًا جليلاً في تكوين شخصية جبران وتوجيه آثاره.

_____________________________________________________________

  1. R.CATTELL, La Personnalité, t.II,p.919./
  2. التحليل النفسي، في جميع وجوههن يقوم على اثبات هذه الحقيقة
  3. أرتأينا كلمة "طيف" ترجمة لكلمة "Ombre" التي دل بها يونغ على القسم السلبي من الشخصية.
  4. CH. LALO, Nations d’Esthétique, p. 34.
  5. انظر D : HUISMAN, Encyclopédie de la psychologie, p. 30.31.؛ كذلك جيلفورد
  • ميادين علم النفس، مجلد 2، ص 529.

 

_____________________________________________________________

شخصية جبران وتوجيه آثاره. فالتقليد الادبي المسيحي وكتابات فرنسي مراش الحلبي (1826 – 1873)، ثم الرومنسية كان لها آثارها في أسلوبه. ولا سيما في طوره الأول؛ ورموز بلايك (1757 – 1827) تغلغلت أشباحها في عدد من رؤاه ورسومه؛ كذلك آراء دارْوِنْ (1809 – 1882) ونيتشه (1844 – 1900) ورينان (1823 – 1892) مدَّتْه بايحاءاتٍ جمّة؛ والمعتقدات الدينية الهندية وآراء إمرسون (1803 – 1882) وثورة (1817 – 1862) في الروحانية والحرية والحياة الطبيعية تركت شيئًا من سماتها في نظراته. وقد عالج أثر هذه العوامل الثقافية في جبران معالجة سريعة أو مستفيضة كثيرون من الباحثين، حريٌّ بالذكر منهم كرم وحاوي وغريب وجبر وسكيك. لكن اعتمادنا المبادئ النفسية أظهر أن البيئة الثقافية، كالبيئات الأخرى، لا تشكل سوى الإطار العام والمادة الخام التي ستعالجها وتكيفها طاقات جبران النفسية. وبهذه الذريعة الجديدة، قد تستطيع دراستنا أن تفض مغلقات وافرة كانت ما تزال قائمة في أدبه وفنّه وشخصه، على كثرة الأبحاث التي تناولته.

          فما سرّث انتقال جبران من التغني بالحب والجمال إلى الإشادة بالقوة والتمرد فإلى تمجيد المحبة الإنسانية الشاملة؟ إنَّ دارسي جبران السابقين كادوا يحصرون علة مرحلته الأولى بفقرة وفجيعته بذويه، وعلّة المرحلة الثانية بتأثرّه بفلسفة نيتشه، وعلّة المرحلة الثالثة بيسار حاله ونجاح أدبه، وقد يزيدون عليهما نضجه الفكريّ. غير أن محاولة الاستفادة من المكاسب السيكولوجية أضاءَت سُبُلَ التغلغل في أعماق نفسيّته، فانكشفت أسرارُ تلك التحولات وعواملُها المختلفة، وانجلتْ أعراضُها ونتائجها في حياته وآثاره.

          وعلى التطور الذي أصاب جبران، ومن جرّائه اختفت أعراضٌ لتظهر أخرى، بقيت عدةُ ظاهرات ملازمةً إنتاجَه ومواقفه، من البداية حتى النهاية كمحبة الألم والموت والحرية والإصلاح؛ وظل وجهان مشرقين في أدبه ورسمه: وجهُ الأم ووجهُ الناصريّ؛ واستمر الأسلوب النبوي مرافقًا له، على تغير نبراته وأنماطه. فقد أتاحت الاستعانة بالأبحاث النفسية تعليلاً وتأويلاً جديدين لهذه الظاهرات، وبينَتْ أن حملته على رجال الدين والحكم، وعلى الأغنياء، لم تكن لمجرد وشهوة العظمة، وأن طلبه الموت لنفسه ولأبطاله لم يكن ناجمًا عن موقف انهزامي منه أمام مُعضلات الحياة، وأن تغنيه بالطبيعة وبالحرية والألم لم يكن شعورًا رومنسيًا فحسب.

لقد كشفت هذه الجراسة عن أن ما يميز جبران ويبرز فذوذيته، حقًا، هو تكوين نفسي، إن شكلت مادته الخام عواملُ البيئة بمختلف وجوهها الطبيعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وبمفهومها السيكولوجي كوسط ذاتي، فإن قابه النهائي تضافرت على صياغته طاقة نفسية محورية متأصلة جذورها في طفولته الواعية واللاواعية، وجهد إرادي مسوق بمثل أعلى معين. بهذا الضوء تيسر الكشف عن سر التبدلات والمفارقات المعميات في حياته وإنتاجه، وعن كيفية التواصل والتكامل بين سلوكه وأدبه ورسمه؛ علمًا بأن تأثير العوامل النفسية لا يقتصر على المضمون الفكري فقط ، بل يطال الخيال في تموجاته وتفتحات صوره، والعبارة في رموزها وتلونها، وهذه عناصر لا يستغنى عنها متذوق الفن. والتذوق إن لم يستطع النفاذ إلى الحقيقة الموضوعية النفسية في كل صنيع فني يبقى مجرد انعكاس لذاتية الدارس المتأمل وأزماته الباطنية، بعيدًا عن واقع الفن المدروس. وكما حددت غايتُنا من البحث ميزة هذه الدراسة وغرضها، فإنها أملتْ علينا أيضًا خُطتها.

 

خُطةُ الدراسة:

          أن يكون للخُطة الدراسية شأنٌ جلل، ذاك لا ريب فيه. فهي تَصِلُ بناءَ الباحث الذهبي والنفسي بما يعالجه، فيكون أثرها بالغًا في فهم الوقائع وصحة تفسيرها وتعليلها. وبقدر ما تكون الخُطة سليمة ومأمونة، نهجًا ونظرة، تكون نتائج البحث أقرب إلى الصحة وأدعى إلى الاطمئنان. وقد أصبح واضحًا أن النهج التجريبي هو خيرُ ما يعتمد في البحوث العلمية حتى النفسية منها، ولذا التزامناه فجعلنا واقع جبران الأدبي الفني أشبه بمختبر لدينا، ننطلق منه إلى ما يوازيه من واقع الحياة. ولكي ننهج الدرب الآمن آثرنا مَنْحَ النظريات النفسية قوة التفسير والتأييد لما هو حاصل. من غير أن نفرضها فرضًا مسبقًا على منهجنا، خوفًا من أن نُساق إلى تسخير البحث لها فيصبح مجرد وسيلة لتبريرها وتأكيدها، فتأتي النتائج اعتباطية تعسفية.

وإذ غدا من سنن علم النفس النظر إلى الحياة الباطنية كوحدة دينامية تكاملية تنطوي على ظاهرات سيكولوجية يتعذر فهمها إلا على ضوء الكل، واعتبار الإنتاج الفني امتدادًا سلوكيًا معقدًا وراقيًا لحياة الفنان، بحيث يكون للمصير الإبداعي والمصير الحياتي تعليلٌ واحد، فقد توجب علينا، وفاءً لخطتنا التجريبية، أن نبحث في إنتاج جبران عن البؤر الفكرية الوجدانية التي تستقطب المعاني والصور والرموز في صنائعه الأدبية والفنية عساها تكون الدليل إلى فض اللغز الجبراني. وسبيلنا إلى اكتشاف هذه البؤر هو هيمنة العناصر الموضوعية والتعبيرية في أدبه ورسمه، ذلك بأ، هذه الهيمنة، بما تحمل من تكرار وتركيز نفسيين. لا بد من أ، يكون وراءها حركة باطنية معينة تتفتح فكرًا وعاطفة وخيالاً. وبعد التمحيص والتنقيب، اتضحكت لنا ست بُؤر مركزية فكرية وجدانية هي أشبه بأقطاب جاذبية تدور في افلاكها جل الخواطر والشواعر والأخيلة، وهي: معاداة السلطة والتعلق بالأم والاهتمام بالناصري، والتغني بالحب ثم تمجيد القوة فالكرازة بالمحبة الشاملة؛ ومظاهرها تنبسط في إنتاجه على تنوع في الأهمية والفاعلية وامتداد الأثر. فكان لا بد من اعتماد خطة دراسية منهجية تتيحُ تعليلاً واضحًا وتأويلاً وافيًا لهذه الظاهرات الحيوية سواء أبرزة مباشرةً وفي جلاءٍ تام، أم مُداورةً عبر تموّجات رمزيّة(1)

_____________________________________________________________

  1. تعني (بالتموجات الرمزية) "التحولات" أو "البديلات" الموضوعية التي تحل حلولا رمزيًا ديناميًا لا شعوريًا محل الموضوع المركزي الأصيل.

 

_____________________________________________________________

ولمّا تأكد لدينا، بالتحقيق التجريبي، أن معاداة السلطة والتعلق بالأم، دون باقي الظاهرات، ينبسط فعلهما، أفقيًا، على حياة جبران بعد فنّه، مؤثرًا في تصرفاته ومواقفه وطابعًا سلوكه بطابع فريد؛ ويمتد، أيضًا، عموديًا، غائصًا في طفولته، متأصلاً فيها، فقد سمينا هاتين الظهرتين الحيويتين محورين نفسيين. وتبدى لنا أن لهما أصلين ديناميين – قد يندمجان في جذر واحد – نمتهما تجارب وأوضاع عاناها جبران في سنيه الأولى، فتكونت فيه طاقة وجدانية فكرية مركزة استطاعت، لقوتها، وحدتها، أن توجه مصيره، وتنسج قسمًا جليلاً من قماشة حياته وإنتاجه. والأصل المحوري يلتقي "المعقدات" النفسية الفرويدية برقية إلى طفولة الإنسان. ولكن رأينا من الآمن أن لا نُصر على العودة، دائمًا، إلى اللاشعور الجنسي، ولا سيما الطفولي الأقصى منه، في كل سَبْرٍ وتعليل للمحور النفسي، لما يحملُ ذلك من مجزفات قد تُفضي إلى التيهان في التخمينات والفرضيات. فالمقتضى، في موقفنا، بلوغ نقطة في مجرى الفنان النفسي بوسعها أن تتيح تعليلاً كافيًا لسلوكه وإنتاجه، وقد تُلقى هذه في الوعي كما في اللاوعي، وفي الطفولة الأولى كما في الطفولة الثانية. وقد يكون للأصل المحوري تغلغل لا شعوري أبعد في الطفولة، لكن الأمر لا يعنينا في هذه الدراسة ما دام غرضنا ليس معالجة جبران من مرض نفسي، بل اكتشاف الدوافع النفسية الآيلة إلى تفسير فنه وحياته وتعليلهما بصورة وافية. وقد ظهر لنا أن هذه الطاقة الدينامية المحورية كانت تعتذي وتتكثف دومًا بأحداث وأوضاع تطرأ على جبران، في مختلف مراحل حياته، بحيث تتطور حدتها وفعاليتها وطرقُ نشاطها. وقد يتحول الشعوري إلى لاشعوري، مع الزمن، فيكون له نصيب في مهمة العقل الباطن. وكأن المحور النفسي باقيا عنيدة حبة من تجارب جبران الطفولية لا تنفك أصداؤها تتجاوب في حنايا نفسه، تتجدد بلبس أقنعة مختلفة، وتقاوم بتطور يلائم الزمن الطارئ، من غير أن تفقد جذورها الأصلية المنغرسة في تربة الزمن الأولى(1). استنادًا إلى

_________________________________________________________

  1. إن تعليل مظاهر الإ،تاج الفني بالعودة إلى التجارب الطفولية يكاد يجمع عليه علماء النفس. بيد أن كيفية التعليل تتشعب شعبًا مختلفة. فإذ يفسر فرويد، دائمًا، نشاط الإنسان وخصائص الفن "يمعقد أو ديب"، يزيد أدلر عليه "الشعور بالدونية"، ويضيف يونغ "ارادة القوة" و"اللاشعور الجمعي"؛ بينما يجهد شارل بو ردو أن في أن يصل بين قضايا علم النفس الكلاسيكي الكبرى والمفاهيم الفرويدية الأساسية، محاولاً الجمع بينها وبين نظرات المذاهب التحليلية المنشقة المختلفة؛ فهو يكشف، مثلاً في تحليله النفسي لفكتور هيغو لا معقدًا واحدًا، بل عدة معقدات. وقد قام فيبير بدراسات حديثة لعدة شعراء تنكب فيها عن مفهوم "المعقد الفرويدي" ليكشف في طفولات الشعراء تجارب نفسية متنوعة وجهت إبداعهم، فيما بعد، وتراءت آثارها من خلال "موضوعات مهيمنة" على شعورهم Thèmes وقد حاولنا، نحن، أ، نستفيد من هذه الدراسات المتباينة جميعًا، ومما يحذو حذورها. وأنه ليحسن، كما فعلنا، مراجعة الكتب الآتية لتكوين فكرة توضيحية عن المناحي المذكورة:

SIG. FREUD,Délire et rêve dans la “Gradiva” de Jensen, tr. Fr. par Marie Bonapart, Paris, Gallimard, 1971.

  • Un souvenir d’enfance de léonard de Vinci, t. fr. par Marie Bonparte, Paris, Gallimard, 1927.
  • Essais de psychanalyse appliquée, tr. Fr. par M. Bonparte et E. Marty, Paris, Gallimard, 1971.
  • A. ADLER, Connaissance de l’homme tr. De J. Marty, Paris, Payot, 1955.
  • Le tempérament nerveux, tr. Du Dr Roussel, Paris, Payot, 1955.
  •  Le sens de la vie, tr. Du dr. H. Schaffer, Paris, Payot, 1955.

G.G. JUNG et von FRANZ, HENDERSON, JACOBI, JAFFE, L’homme et ses symboles, Pont- Royal, Paris, 1964.

- La Psychologie de l’inconcient, tr. Par Dr. R. Cahen, Lib, de l’Univ. Georg et cie, S.A. Genève. 1963.

- Types psychologiques, préf, et tr. De Y. Le Lay, Lib. De l’Univ. Georg et cie, S.A. Genève, 1958.

- Essais de psychologie analytique, tr de Y. Le Lay, éd. Stock, Paris, 1932.

CH. BAUDOUIN, Le symbole chez Verhaeren, Genève, Mont-Blanc, 1924.

  • Psychanalyse de l’art, Alcan, 1929.
  • Psychanalyse de Victor Hugo, Genève, Mont-Blanc, 1943.
  • J.- P. WEBER, La psychologie de l’art, P.U.F, Paris, 1961.
  • Genèse de l’œuvre poétique, Gallimard, Paris 1960. (Thèse principale de Doctorat ès-lettres soutenue en Sorbonne).

_________________________________________________________

ما أوضحنا، أرتأينا أن نجعل لدراستنا قسمًا أول سميّناه: "جبران في دراسة تحليلية"، وهدفه تعليل التجربة الفنية وتأويلها، أفقيًّا وعموديًا، على ضوء تأثيرات الطفولة.

وقد تبين بالدراسة التجريبية أن ثلاثًا من البؤر الفكرية الوجدانية الأخرى – أعني لتغني بالحب وتمجيد القوة والكرازة بالمحبة الشاملة – لا تُهيمن معًا على كلية حياة جبران وإنتاجه، بل يتوزعُ نفوذها ثلاث مراحل متعاقبة، مستقلاً كل منها بطور معين، مع استمرار ظلال خفيفة لها متداخلة متشابكة. وذلك يعني عدم ارتباطها ارتباطًا حميمًا مباشرًا بالأوضشاع الطفولية، بل اتصالها بظروف نفسية طارئة متطورة، ذات عوامل مختلفة باطنية وخارجية. علاوةً على ذلك، اتضح لنا أن اهتمام جبران بالناصري، في أدبه ورسمه، كما في حياته، لم يكن عارضًا، ولم يتجل في مرحلة دون أخرى من أطواره الثلاثة، بل كان اهتمامًا كيانيًا دفعه إلى بذل جهد إرادي مُضنٍ مديد في محاولة اقتدائية مصيرية للتوحد بمثله الأعلى. هذه الظاهرات كان لا بد من تعليلها، والتحليل المحوري كعملية تستهدف الغوص إلى جذور الظواهر النفسية لاستنطاق عللها في الطفولة، ليس في وسعه إعطاء الجواب الشافي عليها؛ ذلك بأن الطاقة النفسية لا يظهر جِماعُ فعلها، ولا سيّما اللاشعوري، مُحللاً ومتّجهًا إلى الخارج فحسب، بحيث يُحمِّل العقلُ الباطن الكائنات والأحداث، بصفتها موضوعات خارجية مستقلة عن الذات، مدلولاتٍ رمزية، بل يظهر أيضًا مُرَكبًا ومتجهًا إلى الداخل، بحيث تغدو الموجودات والحادثات، آ،ذاك، مجرد تعبير عن حالات النفس ومراتبها، يتعذر فهمُها الأتمّ على ضوء التحليل وحده(1). كذلك لزوم أعماق اللاشعور، دون الشعور، يُفيتنا الكثير من أسرار العمليّة الإبداعية، لأنَّ للوعي دورًا في التوجيه والاختيار والبراعة الفنيّة. فالدافع اللاشعوري كثيرًا ما يقترن بدافعٍ واعٍ خلاّق. ولئن كانت ألوف الفتيات يُعلين إحساساهنّ  الجنسية بصوغها مذكرات يومية، فإننا، على حد تعبير ڤالنتين، لا نلقى واحدةً في كل مليون تتمتع بصفات ودوافع فنية خلاقة نظير برونتس أو جين أوستن(1). ولذا، حرصًا على رفع الحُجُب عن الغوامض والمتناقضات والتطوّرات في إنتاج جبران، وعلى إبراز خطّه النفسي عبر الحياة والإبداع، بصورة أجلى وأوفى، كان لا بد من قرن التحليل المحوري بتركيب نفسي – هو موضوع القسم الثاني من دراستنا- نجلو انعكاسات تكوينه في السلوك والفنّ، مُتيحين الفرصة، هكذا، لاستيعاب الأحداث والتقلبات النفسية الطارئة على جبران في مختلف أطوار عمره، إذْ ليست مشكلات الإنسان وأوضاعه الطفولية، كما أوضح كارن هورني، هي المسؤولة فقط عن حالته النفسية الراهنة، بل أن مشكلاته وأوضاعه الحاضرة مسؤولة عنها أيضًا(2).

ولا بد للجهد الإرادي، مسوقًا بالمثل الأعلى المعتنق، من الإسهام الخطير في تكوين الواقع النفسي(3).

          وإننا بقَرْننا التركيب النفسيّ إلى التحليل المحوري، نكون قد سعينا إلى فضّ مُغْلَقات جبران عبر استجلاء العوامل النفسيّة المحرّكة الماضية والحاضرة التي أسهمَتْ في صوغ ذاته، وإلى رسم صورة تامّة، وسْع الإمكان، عن تكوينه النفسيّ في موجّهاته، كما في وحدته وكلّيته، وتأثيراته عبر مختلف أطوار الفنّ والحياة. ولكن، ما هي الموادّ الجبرانيّة الأوّلية التي كانت موضوع اختبارنا وتحقيقنا لبناء هذه الدراسة؟

_______________________________________________________

  1. C.W. VALENTINE, The experimental psychology of Beauty, London, Methuen & Co., 1962,p.25.
  2. أنظر D. HUISMAN, Encycolopédie de la Psychologie, t.I: A. VERGEZ, p. 35.
  3. من أجل تكوين فكرة إيضاحية عن "التركيب النفسي" وتأثير المثل الأعلى في توجيه نشاط الإنسان وتكوينه الباطني، تحسن مراجعة المصدرين الآتيين، كما فعلنا:

D. A. STOCKER, De la psychanalyse à la Pschosynthèse, Beauchesne et ses fils, Paris, 1957.

WILFRIED DAIM, Tranvaluation de la Psychanalyse : L’Homme et L’Absolue, tr. De l’allemand par p. JUndt, Albin Michel, Paris, 1956.

_____________________________________________________________

المختبر الجبراني:

اعتمدنا في هذه الدراسة المصادر والمستندات التاريخية والأدبية والفنية التالية وكانت لنا أشبه بمختبر تجريبي:

أ – مذكرات ماري هاسكل والرسائل المتبادلة بينها وبين جبران، من سنة 1908 حتى 1931. وقد جمعت أنّي أوتو معظمها في كتاب(1) ضمّ ثلاثمئة وتسع عشرة رسالة من جبران إلى ماري، ومئتين وستّ رسائل منها إليه؛ كما حوى عددًا غير قليل من مذكراتها اليوميّة. وتُعتبر هذه المستندات، لبساطة الأداء فيها وعفويته، من أهم مصادر الدراسة.
- كتاب توفيق صايغ "أضواء جديدة على جبران"(2)، وهو خلاصة، يغلب عليها العرض لا التحليل، للرسائل والمذكرات الآنفة الذكر، وقد وجدنا في الكتاب إشارات إلى مذكرات يوميّة لم تشتمل عليها مجموعة أوتو(3).

ج – رسائل جبران لسائر أصدقائه، وأهمها ما جمعه جميل جبر(4).

أما الأخرى فقد ألمع إليها أو أوردَ صُورَها خليل حاوي في كتابه المذكور، وحبيب مسعود في "جبران حيًّا وميتًا"(5). وجدير بالذكر أنّ أسلوب هذه الرسائل تضاءَلت فيه البساطة والعفويّة، وغلبت الصيغة الأدبية.

____________________________________________________________

(1)The Letters of Kahlil Gibran and Mary Haskell, arranged and endited by ANNIE SALEM OTTO, Smith and Co. compositors inc., 1970.

(2) منشورات الدار الشرقية للطباقة والنشر، بيروت، 1966.

(3) تسنى لنا أن نطلع على مجموعة الرسائل والمذكرات المتعلقة بجبران، كاملة، في أفلاام مصورة، بفضل توفيق صايغ. ويمكننا التأكيد أنه لم يبق أي مستند ذي شان من المجموعة خارج كتابي أوتو وصايغ.

(4) رسائل جبران: صفحات مطوية من أدب جبران الخالد، بيروت، دار بيروت، 1951.

(5) جبران حيًا وميتًا: مجموعة تشتمل على مختارات مما كتب ورسم جبران خليل جبران ومما قيل فيه. قدم لها وعني بتأليفها وإخراجها: حبيب مسعود. الطبعة الثانية 1966، بيروت، دار الريحاني للطباقة والنشر. الطبيعة الأولى صدرت في سان باولو- برازيل، عام 1932.

_____________________________________________________________

د – ذكريات يوسف الحويّك عن رفيقه جبران(1)، وهي حكاية حال الفنانين الصديقين، دونما تكلّف أو مواربة، سحابة إقامهما معًا في باريس بين 1909 و1910.

هـ - مجموعة مخطوطات عثرنا عليها في متحفه، أهمّها مسوّدات رسائل وُجهّت إلى مي زياده (1886 – 1941)، وبحث في "فلسفة الدين والتدين"، وخطبة سياسية اجتماعية ألقيت سنة 1911. وقد أوردنا في دراستنا، صورًا لبعضها، واكتفينا بالإشارة إلى بعضها الآخر(2).

و – مؤلفاته العربية وقد ضمتّها جميعًا "المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران"(3)، باستثناء تمثيلية "ملك البلاد وراعي النغم" التي ألحقها نعيمه بكتابه(4)، و"الويلات التسع"(5)، واثنيّ عشرة مقالة أو قصيدة متفرقة أدرجها حبيب مسعود في مصنّفه، هي "إلى المسلمين من شاعر مسيحي"، و"أبو العلاء المعرّي"، و"لكم فكرتكم ولي فكرتي"، و"الخريف" و"لكم لغتكم ولي لغتي"، و"ما أكرم الحياة" و"أنا الدهر"، و"أحبّ من الناس العامل"، و"يا زمان الحبّ"، و"كلنا يصلي"، و"الشرق"، و"ماذا تقول الساقية"(6)

______________________________________________________

  1. ذكرياتي مع جبران – حررتها ادفيك جريديني شيبوب، بيروت، دار الأحد، 1957.
  2. يقول خليل حاوي، قفي مقدمة كتابه، إنه عثر، بين المخطوطات في متحف جبران، على ثماني قصائد عربية روحانية المعنى، وعلى "تمثيلية" بلا عنوان، من نحو 1500 كلمة، موضوعها القومية السورية ومأساة لبنان في الحرب العالمية الأولى. ولكننا لم نعثر على أي أثر لهذه المخطوطات(؟).
  3. بيروت، مكتبة صادر، 1955.
  4. جبران خليل جبران، ص 269 – 278.
  5. "كلمات جبران خليل جبران"، جمعه انطونيوس بشير، مصر، 1927، ص 25-26.
  6. جبران حيًا وميتًا، ص 37 – 38؛ 72-75؛ 95-98؛ 129-131؛ 132- 136؛ 195-162؛ 204؛ 205-206؛ 207-208؛ 216- 217- 247- 255؛ 261-263.

______________________________________________________

ز- مؤلفاته الإنكليزية، وقد اعتمدنا الأصل مباشرةً، دونما الاستعانة بالنصوص المترجمة إلا نادرًا، لما يشوبها من مساوئ قد يكون لها مبرّر لغويّ، أحيانًا، ولكنها تُضلّل الباحث النفسيّ(1).

ولا بدّ، هنا، من ملاحظتين: الأ,لى أن جميع كتابات جبران الإنكليزية بدءًا "بالمجنون"(2) حتى "التائه"(3)، كانت لا تُنشر قبل أن تدقق ماري هاسكل في عباراتها وتصحح ما يمكت تصحيحه(4). غيرأن التعديل، وهو طفيف غالبًا، لم يؤثر في الخصائص النفسيّة للمضمون والتعبير. أمّا الثانية فتتعلّق "بحديقة النبي"(5). فبرباره يانغ – التي أصدرت الكتاب بعد نحو سنتين من وفاة جبران (1933) – تزعم أن صاحب "النبي" كان قد أعد قطعة المختلفة، ولكنه لم يربط ما بينها، ولا وضع تصميمًا لتأليفه. فرأت واجبًا عليها أن تُخرجه في صيغة نهائية. وبينما تذكر أنّ الشاعر قال أشياء كثيرة عن "الحديقة" استيقظت ذكراها في ذهنها، تعلن في موضع آخر: "لقد بدا لي وما يزال يبدو أنّ جميع الصفحات التي كان لا بدّ من أن

_____________________________________________________

  1. مثاله ترجمة ما ورد في "التائه" (the Wanderer, Heinemam, London, 1965, p. 89 ) "When we reach the heart of our mother the sea" بالعبارة التالية: عندما نبلغ قلب أبينا البحر" (المجموعة الكاملة المعربة، بيروت، دار صادر ودار بيروت، 1964 ص 444). ولا جدال لدى الباحثين النفسيين في أن "البحر" رمز غني "للأم" ، وخطأ فاجح الاستعاضة عن "الأم" في الإنكليزية "بالأب" في العربية للملاءمة بين العبارة وبين جنس "البحر" المذكر في لغة الضاد. كذلك ترجمة "The Vulture" ، (The Forerunner,) (Heinemann, London, 1963,p53 بعبارة "الشوحة" (المجموعة الكاملة المعربة، ص 71)، في حين أن ترجمتها الصحيحة "العقاب"، وهي ذات دلالة نفسية تاريخية أسطورية عميقة، نوضحها في حينه.
  2. The Madman، صدرت طبعته الأولى سنة 1918، عن .A. Dnopf, New York.
  3. The Wanderer، صدرت طبعته الأ,لى 1932، عن A Knopf, New York.
  4. يمكن التحقق من ذلك بمراجعة الرسائل المتبادلة بينهما، ولعل أول إشارة للتصحيح وردت في 11 كانون الثاني 1915، وآخر إشارة في 6 نيسان 1931، أربعة أيام قبل وفاته.

(The Letters of K. Gibran and M. Maskell, p. 388, 675).

  1. The Garden of the Prophet، صدرت طبعته الأولى عن A. Knpf, New York.

______________________________________________________

أكتبها في حديقة النبي صدرت مباشرةً عن وعيٍ محدد مدرِك، فكانت، كما قال جبران، الشعر الذي هو كلمات لا بد منها في الموضع الذي لا بد منه"(1). فيستبين أن عملها لم يقتصر على ربط القطع بعضها ببعض، إنما تعدّاه للابتكار، حتى أنها أدخلت تعديلاً على ما خطّه جبران نفسه، كما يظهر من المقارنة بين الأصل في الصفحتين المخطوطتين من الكتاب وما يقابلها في الصيغة النهائية(2). فازاءَ هذا الاختلاط في التأليف والعبث بالأصل، غدًا غير مأمون للباحث النفسي أن يعتمد نصوص الكتاب على أنها تمثل تمثيلاً صحيحًا دقيقًا نفسيّة دبران. ولدى مراجعة ما بوسع الكتاب أن يكسب دراسي فيما لو صح اعتمادُه، تبيّن أنه لا يمدّها بأي جديد على الإطلاق، والخصائص النفسيّة التي يمكن استخراجها منه كانت أسطع في تآليفه السابقة، بحيث تأتي "الحديقة" تأكيدًا لما سبق، لا كشفًا لخصائص جديدة. فضلاً عن أن في الكتاب ما تُرجم عن العربيّة وحُشِرَ فيه، كمقالة "الويلات التسع"(3)، و"نفسي مثقلة بأثمارها"(4).

ح – رسومه المنشورة في مؤلفاته والماثلة في متحفه ببشرّي، وهي تعد بضع مئات (5). وقد ضمت دراستنا نحو مئة وعشرة منها.

______________________________________________________

  1. B. Young, This man from Lebanon, p. 123 – 124.
  2. The Garden of the Prophet, p. 18-19.
  3. The Garden of the Prophet, p. 10. – وردت في "كلمات جبران خليل جبران"، ص 25 -26.
  4. The Garden of the Prophet, p. 38-41.        - وردت في "البدائع والطرائف"، المجموعة ج 3، ص 177 – 179.
  5. كان عسيرًا جدًا أن نتحقق تواريخ قسم كبير من هذه الرسوم، فبعضها بهتت أرقامه، وبعضها خلا من التاريخ، والآخر غطاء الإطار، أما عددها فيناهز الأربعمائة والخمسين، حسبما ذكر لنا القيم على المتحف، بينها نحو مئة صورة لرؤوس يمثل معظمها مشاهير الرجال.