info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "الدكتور داهش والروحانية" بوسف الحاج

 

النبي داهش

الدكتور داهش والروحانية

رسالة موجهة إلى الذين يعنيهم الأمر، وإلى عقلاء الأمة ومفكريها، وإلى ذوي الإيمان فيها، ثم إلى السودا الأعظم من الشعب الحساس الذي بعرف جبينه يأكل خبزه، سلخناها عن كتابنا "الدكتور داهش" وبعثنا بها منفردةً تحمل على صفحاتها القليلة أثرًا رمزيًا مما تضمنهُ ذلك الكتاب من مقدمة وخاتمة يفصل يفصل بينهما دروس ومعلومات قيّمة عن الوسيط الروحاني الأعظم الدكتور داهش بك الذي حامت الظنون حول مواهبه الروحانية السامية وقامت القيامات على تعاليمه النفسانية وحوارقه المدهشة.

من أجل هذا كان لزامًا علينا أن نبادل إلى عزل هذه الرسالة بكل اختصار والاسراع إلى طبعها ونشرها دحضًا للظنون وتنويرًا للأذهان!...

لعل بها عبرة لقوم يعقلون!...

 

 

 

قبل المقدمة

حول المبادل الداهشية

نقلناها عن كتابنا "داهش والداهشية" الذين بين فيه بكل جلاء ووضوح من هو الدكتور داهش أصلاً وفصلاً مولدًا ونشأةً وتاريخًا، وما هي الداهشية. ويشرح ذلك الكتاب جواهر الأديان كافةً وعلاقة الداهشية بها مؤيدًا ذلك بادلة وبراهين منطقية لا هوتية لا تقبل الرد.
          ثم إنه يقول بوحدة الأديان  من حيث الغاية الروحية، وبوحدة الأوطان أيضًا رغم الفوارق والفواصل التي بعدت البعض منها عن البعض الآخر، كما أنه يقول بوحدة الغاية من كل الرسالات الروحية المنزلة والاتجاهات النبوية رغم اختلاف اللغات والعادات والأزمة، ويشرح شرحًا وافيًا النبوات وما هي والأنبياء ومن هم والروابط الروحية اليت تربطهم جميعًا بوحدة الغاية والقصد.


          وهو يقول: إن الخلق كلهم مسوقون حتمًا بناموس النشوء والارتقاء والرجعة إلى علة العلل وغاية الغابات التي هي الله جل جلاله أما ما يعتور السير في هذا السبيل من تقدّم وتأخر ولفّ ودوران فهو على ذمة صاحبه إذ لكل عمل ثوابه وعقابه والناس أحرار بما يفعلون.

ثم يعود فيقول إن الناس يسيرون في طريق المختلفة لكل ما ورد في كتبهم الدينية من حيث الغاية الروحية المقصودة، ويرى أنه لو تبع كل فريق جوهر دينه ووصاياه لتلاقى الناس فيك ل ما يعملون واتجهوا جميعًا نحو المحبة والفضيلة والسلام وكانوا يغنى عن هذه الفوضى القاسية وهذا الضلال الداجي ولكانت الأرض جنة من جنات الله وفردوسًا من فراديس الخلود.

وهذه بعض كلمات ذلك الكتاب عن المبادئ الداهشية:

 

أولاً – إن الداهشية تنادي بوحدة الخليقة واستقرار الفضائل الروحية في كل شكل من أشكال الديانات السماوية لأن مرجع كل عاطفة تدفع بالإنسان نحو الحق إنما هو مرجع واحد لا يتجزأ ما لم تتجزأ الأكوان كلها وتدب الفوضى على القوة الخالقة والمظاهر المخلوقة وذلك من المستحيلات في حكمة الله وطبيعة الوجود.


ثانيًا: من المعروف الثابت أن الدين يصلح الحياة ولا معنى لدين لا تصلح الحياة به، وإن كل إنسان من أي عصر كان وإلى أية طائفة ينتمي إنما هو روحاني إذا قام بواجباته نحو ربه ونفسه وقريبه والقريب في العرف الروحاني هو مطلق إنسان على وجه الأرض.

 

ثالثاً – إن هذا الجيل الذي ساد فيه التقاطع بين أبنائه ويسمونه جيل المدنية والقانون لهو أحوج الأجيال إلى الروحانية والرجوع إلى الله وزرع بذور الألفة والاتحاد وتنمية عواطف التساهل واحترام الذات في كل ما فيه من جامعات ومذاهب.

 

رابعًا – ترى الداهشية عدم إمكان البناء صحيحًا إذا كانت الأدوات غير صالحة، لهذا قد اتخذت على عاتقها ترقية الفرد أولاً ترقية روحانية عملية اختيارية وجعل هذه الترقية أساسًا لترقية المجموع، بناء عليه ترى الداهشية أن العمل الأولي إنما هو عمل فردي مجرد، فهي تكشف لكل فرد من أبنائها حقيقة الوجود ووجودهم فيه والغاية من الحياة والموت، وتبين لهم كل نقيضة لا بدّ من تجنبها وكل فضيلة لا بد من اتباعها طلبًا للكمال، فهي تقاتل الرذيلة وتعضد وتعزز الفضيلة.


خامسًا: إن الداهشية ترفع الشخصية وتبنيها بينما نرى قوانين الاجتماع تضللها وتهدمها، فهي تعبد الثقة إلى النفس وتساعد على التجدد وتسلح الإنسان ضد أهواء نفسه وما كمن فيها من التطرف وهكذا تسوق الفرد إلى السعادة الحقة بمساعدتها إياه على تكوين ذاته. وتعتقد الداهشية إن هداية الإنسانية لمن أصعب الأمور وأصعب من ذلك دفع هذه الإنسانية إلى معرفة نفسها وهذا لا يقوم إلا بدفع الأفراد ليكون كل إنسان استاذًا لنفسه في فنّ الحياة الروحية.

 

سادسًا:  إن الداهشية تطلق قوة الاعتماد على النفس وهذه القوة تكون غالبًا مترددة أو يائسة لكثرة ما كذبتها عوامل الحياة فتقف منفردة ويقودها هذا اليأس إلى حيث تغور وتختفي فتأتي الداهشية إلى هذه القوة فتشجعها وتثبت فيها حرية الضمير تجاه كل شيء في سبيل التوازن.

 

سابعًا: يعتقد الناس أن الكمال قليل في هذا العالم أو أنه غير موجود أما الداهشية فتعتقد بوجود هذا الكمال وبأكثر مما يظن حسبما ورد في الكتب الدينية ولكنه يبقى غالب الأحايين مجهولاً وقد عاش به ومن أجله ألوف وملايين من الشعوب لم يعط لهم أوهم  اهملوا اعلانه ورفعه أمام جاهلية فالداهشية تستخلص هذا الكمال وتعلنه وتعليه وهي لا تجهل صعوبة ذلك فإن العصر الحاضر متأخر أدبيًا كل التأخر رغم ارتقائه المادي الباهر، وإن أهمية هذا الواجب يثبت لها وجوب قيامها به مهما كلفها الأمر.

 

ثامنًا:  إن في تحويل المطامع الشخصية نحو وجهة المطامع العامة تحت راية الإيمان العاقل تتولد الملذات الشريفة والمتنوعة في الإنسان وهكذا يتفق الفكر مع العمل إذ بدون هذا الاتفاق لا يمكن أن تسلم الإنسانية من الأخطار، وما الفكر في الإنسان إلا قوة تنتقل من حقيقة محسوسة إلى حقيق هي ما وراء المحسوس فالداهشية تساعد الفكر على هذا الانتقال، فالعمل ينتج من القوة التي تحسبها تأملاً مجردًا.

 

تاسعًا:  إن رحل الإنسانية يتمشى في سبيل الدهور ظالمًا نفسه بنفسه، مولدًا شقاءه من شقائه، مخترعًا من الفضيلة أشكالاً تتنافر وتتباعد عن مصدرها الروحاني الأول، وعبثًا يحاول دهاقنه السياسة وأقطاب الاجتماع الوصول إلى التخلص من هذه "الفوضى التي ستجرّ وراءها أهوالاً مخيفة إن لم يلجأ الإنسان للمرة الأخيرة إلى الدين القويم المجرد من كل دخيل ونزيل.

 

عاشرًا أو أخيرًا: إن هدف الداهشية في هذه الأرض هو متابعة العمل بدون كلال في السبيل الذي يوحد البشرية وينشر فوقها راية السلام لتتحرر أبديًا وتعيش تحت لواء المحبة الحقة التي تعدها للدخول في ملكوت الله وجناته الخالدات حيث السعادة الدائمة التي يعجز القلم واللسان عن وصفها مهما علت الأفكار وسمت العقول وامتدت أجواء الخيال في سماوات التصوّر...

 

 

المقدمة

في كتابنا "الدكتور داهش"

 

هذا كتاب – هذا كتاب طفرت فيه براعة واضعه عن الحد المعروف، ونهج جامعة نهجًا جديدًا شد به عن السبيل المعتاد فجاء كما يُرى مخلوقًا عجيبًا في عالم التأليف وحيدًا في وقائعه فريدًا في منازعه كما جاءت شخصية بطله متميزة عن سواها من الشخصيات العاملة في حقل الروحانية المقدسة، فلا غرو إذا أشرأبت إليه الاعناق وتتقرهالنفر القليل الحر وإجفل منه السواد الأعظم من الناس.

 

هذا تاريخ -  هذا تاريخ تجمعت وحدات حوادث في سلسلة واسعة الحلقات قد امدت صعودًا حتى لتكاد تحتفر لها منفذًا فلي جدران الجنة وتشق لها طريقًا في فراديس الخلود حيث كانت جذوعها قد نبتت قبل إنشاء العالم.

 

هذا سفر – هذا سفر من أسفار المجهول خطت كلماته أنامل الدهر وباركت طفحاته يمين الله فلا بدع إذا كان محطًا للوحي ومهبطًا للألهام.

 

هذا حدث -  وأخيرًا هذا حدث من الأحداث المباركة نزل فجأة في نطقة دائرته وفي ملء حينه فلاغرو إذا اهتزّ له ذوو الإيمان الحي وتندى من أجله جبين السماء شفقةً على أبناء الارض المساكين، ولولا رحمة الله لكانت الأرض على أفظع ما هي عليه اليوم من شقاء وبلاء، تلك الرحمة السامية التي كلما رأت الخلل يتفاقم وقوعه في أنظمة الإنسانية الغاشمة يريد أن يدفعها إلى الخروج ليرمي بها إلى هاوية الفناء والتلاشي يخلق الله لها من بين أبنائها أنبياء ومرسلين وحكماء ومصلحين يتكفلون هدايتها سواء السبيل حتى في أشدّ حالات الفوضى وفي أعمق مهاوي الدياجي والظلمات.
 

الأقانيم الأربعة

 

إن هذه الأقانيم الأربعة التي هي "الكتاب والتاريخ والسفر والحدث" إنما هي رعشات روحية تنمّ عن تقصّ بعيد في درس الحياة الدينا وتحكّم الارتباط اللامحدود وهي نفسها أدلة ناطقة تشير إلى قرب الساعة الرهيبة التي يحل فيها بأهل الأرض ويل مرعب يدك أركان العالم دكًا ذريعًا إذا لم تتداركه يدٌ جبارة بريئة طاهرة تعالت عن كل غاية غير غاية الحق وهي تمتد إلى الإغاثة والرحمة لا إلى الاستعباد والنقمة.

وعبثًا حاول ويحاول دهاقنة السياسة وأرباب العلم ورجال الدين والثروة الوصول إلى إخماد نار هذه الفوضى الجاحمة التي طغت على الناس وقلبت عقليتهم رأسًا على عقب، فلا الارسطوقراطية والديموقراطية ولا الاشتراكية والإباحية تستطيع الوصول إلى ذلك ولن تستطيعه ما دام هذه الفوضى صادرة عن جهل علة هي ما وراء الطبيعة يستحيل على العقل الوصول إليها والحكم على مقدراتها بواسطة العلم والطبيعة فقط.

لقد شذ الكل عن جادة الصواب وتاهت سفينة العقل في محيط الادعاء والبغض والطمع فأفلس العلم وفشل الاجتهاد وذهب الاختبار دون ما فائدة ولم يعد من مرسى أمين تستقر فيه سفينة الإنسانية التائهة في هذا المحيط الصاخب.

لقد مرّن الإنسان نفسه على علمه واختباره حتى وعلى أديانه – كما يفهم هذه الأيان – إلى أن خيّل إليه أنه قد قبض على أعنة الطبيعة واعتلى متون مقدراتها وكشف القناع عن غور كتمانها، على زعمه أن هذه الطبيعة إنما هي البداية والنهاية لهذا الوجود فكانت النتيجة هكذا فشلاً ودمارًا، تأخرًا وانكسارًا أفهل يعود بعد كل هذا ولو مرة أخرى وأخيرة إلى دين ربه الحي الدائم العليم عاملاً عغلى معرفة أصله وفصله نافضًا عن ذلك الدين كل زيادة ونقصان ولفّ ودوران وتحديد وتقليد حتى إذا فعل ذلك عن حسن نية وسمو قصد كما يجب أن يفعل يتجلى له الحق من الباطل والنور من الظلمة ويعرف إذ ذاك أنه كان يسير بأعماله في طريق المخالفة وفي فيافي الضلال، وهذا الدين الذي اعنى انما هو الدين العلمي أو العلم الديني المجرد الذي ينادي بوحدة الرحمان والاكوان والإنسان.

إن هذا الدين، متى عرفناه أدرنا حينذاك وأمنا بدون أقل شك أن تلك اليد الجبارة التي هي وحدها لا سواه تستطيع بقوة الله القضاء على هذه الفوضى المستعصية إنما هي يد إنسان روحاني جاء يعمل على هداية النفوس الضالة واعادتها إلى صوابها على ضوء السماء اللامع. هذا الإنسان الروحاني إنما هو واحد كالرجال غير أنه جبار بقوة روحية لا يعرف للخوف صورة ولا قيمة للحياة عنده وهو يتفانى في سبيل رسالة ربّه متوقعًا كل عذاب وجور وضرب وتشريد وتجريد إذ أنه من أجل هذا قد أتى وبعد كل هذا فإنه سينال أكليل الظفر ولو بعد حين.

هذا الإنسان الفرد انما هو كتلة من الكمال البشري الذي نقص في الملايين من الناس فجاء ليساوي بين هذا النقص وهذا الكمال بميزان الحق والتضحية.

هذا الإنسان الفرد هو وحده فقط يستطيع قمع هذه الفوضى السائدة ودك معاقلها في كل سهل وواد. فلا علم له غير علم السماء ولا جند له غير الانذار والتبشير ولا لغة له غير لغة التعاليم والخوارق المدهشة وهو لا يتهف إلا باسم الله العلي العظيم ذاكرًا بصلواته كل رسله الاطهار وانبيائه وأوفيائه الأبرار!...

 

 

 

 

 

الناس بين الدين والعلم

 

إن الناس من هذه الناحية فريقان، الأول ذو دين يتمسك به معما هو عليه دينه من ودخيل نزيل وتحديد وتسلط واستذلال فهو يميل إليه لأنه يرى فيه نبع السلوى وبقايا الجواهر الأولية.

والريق الثاني ذو علم محسوس فهو لا يريد أن يعترف إلا بما يقع تحت حكم احساسه وآلته وميزاته فيميل إليه لما يرى فيه من الأعمال الغريبة والاكتشافات العجيبة، والإنسان بين هاتين النظريتين يتنازعه عاملان قويان، العامل الأول الإيمان الديني العاري عن البرهان العلمي – كما هو الواقع – والعامل الثاني العقل العلمي المنحصر في دائرة المادة فقط وإلى هذين العاملين معًا يفتقر الإنسان دائمًا وفي ميدان هذا التنازع قد فقد الضمير دليله فسادت الفوضى وما يحدث للفرد يحدث للعائة والدولة والعالم أجمع.

وليس من وسيلة ينجو بها الإنسان من هذه الفوضى غير ائتلاف هذين العاملين الذين لا غنى له عنهما معًا. وهذا لا ولن يكون إلا إذا عرف الإنسان نفسه من أين أتى، ولماذا أتى وإلى أين يذهب وليس باستطاعة الدين المقلد الوصول إلى ذلك.

 

 

صلة الوصل

 

الروحانية – أما الروحانية فلانها ما تزال نقية في جوهرها، بريئة من كل تقليد وتفنيد تؤيدها الآيات وتدعمها العجائب المحسوسة فهي وحدها القوة النافذة التي باستطاعتها وحدها استجلاء حقائق المجهول والمعلوم – الدين والدنيا – وناموس ترابط بعضهما ببعض، هذه القوة هي نفسها تأخذ بيد العلم الصحيح لتنير طريقة وتقوم خطوات أبنائه في هذه الحياة المحفوفة بالآثام والشرور.
          أجل. لقد لاقت هذه الروحانية منذ أزل وجودها وما تزال تلاقي حتى اليوم حروبًا وعداوات يعجز التاريخ عن سردها ويكلّ اللسان عن ذكر وقائعها ولكنها قد انتصرت أخيرًا واستطاعت بعونه تعالى أن تشقّ لها طريقًا إلى قلوب المؤمنين وذلك منذ فجر التاريخ المعروف من الهند إلى الصين إلى اليونان والرومان فمصر فبابل حتى إلى أرض الأنبياء والحجاز والفرس بطريقة غريبة وشكل مدهش.

ولقد اخذت تظهر مرة نتختفي أخرى صارخة في آذان الناس على الرغم مما ذاقه رجالها من ألوان العذاب والاستشهاد متبرئة من كل ما كانوا يتلونه من الأدعية الشاذة باسمها إلا من صفت نيته ونقت سريرته وهذا نفر قليل وقليل جدًا.

وفي هذين العصرين أي منذ أواخر العصر الماضي لمع أول ضوء من أضوائها في أميركا وأوروبا فهبّ السواد الأعظم من الشعب لمناهضتها ظنًا منهم أنها جنون وبائي وضلال وكفر فانكرها العلماء وقبحتها الصحافة وسخرت بها ولعنها رجال الدين واشتبهت بها الشرائع المدنية وسفّلها أسافل المشعوذين وثاروا عليها واضطهدوا ابناءها فلم يبقَ كاتب أو صحافي إلا ونشر مقالات الهزء والسخرية بالأرواح والروحانيين.
 

 

اللاروحانيون

والذين يفهمون الروحانية خطأ

لقد انقسم القائمون على الروحانية في بدء ظهورها ذاك إلى ثلاثة أقسام

القسم الأول – الماديون الذين لا يريدون أن يعتقدواإلا بالمادة فقط ولا شيس عندهم بعد الموت.

القسم الثاني – الفلاسفة الذين نسبوا الحوادث الروحانية إلى فعل أرواح الموتى.

القسم الثالث – أرباب الدين الذين جهدوا في اقامة الحجة على صدورها من الشيطان. ولكن لم يمر الزمان ولم يطل ليل الغفلة حتى تنبه إلى الحادث الروحاني عقلاء العالم وعظماؤه فدققوا في البحث عنه وعينوا للجان الرسمية له والنظر في وقائعه فكانت نتيجة كل ذلك انهم عدّوه علمًا حديثًا يؤيد بطريقة محسوسة وجود الله والنفس وصحة خلود الأرواح فأقره أكثرهم وألقوا فيه الكتب التي لا تقبل الرد لكونهم من أفاضل الفلاسفة وأرباب العلم، ولقد أقبل عليه عدد عديد من المؤلفين والخطباء والحكام ورجال الدين للدفاع عنه فارتقى الخطبة المنابر ورحل المرسلون للتبشير وأسس الصحافيون الجرائد ونشر البلغاء مقالات رنانة زعزعت أركان الرأي العام وكسرت شوكة المضطهدين.

ولقد امتدت الروحانية وانتشرت في أميركا وانكلترا وفرنسا وألمانيا وصسائر الممالك الغربية حتى لم يبقَ مدينة من مدنها تخلو من جامعات وجمعيات عديدة دأبها درس هذا المذهب الجديد واثبات حقائقه وقد اصبح معتنقوه اليوم يعدّون بالملايين وجامعاته وجمعياته وصحفه وفروعها تعد بالألوف وان نشرات عديدة تنشر كل يوم إلى الشعوب بشرة اثبات وجود الله وخلود النفس وحقائق اسرار الغيب ومناجات الأرواح وذلك بالأدلة الطبيعية والآيات والعجائب الملموسة دون أقل شك ولا أدنى ارتياب.

وعبثًا يحاول اعداء النور خنق صوت الحق وملاشاته فلا معارضة العلماء ولا تهكمات المادبين ولا حرومات الكهنة جديرة بأن تعرقل الوثبة الروحانية العامة الناهضة بالإنسان إلى استطلاع أمر مستقبله وحقيقة مصيره.