
تمهيد
واضع هذا الكتاب ليس بكاتب أو شاعر ،
ولا هو، بخاصة ، فيلسوف أو عالم أخلاق..
إنه إنسان ، فحسب..
إنسان حاول أن يغنّي عذوبة أحزان لا نهائية !
إنسان عرف أن يحب الحياة
من خلال حبه العظيم لداهش !
.. حين شبت نار الحرب الأهلية في لبنان ،
مسقط رأسه ، وملهى طفولته وصباه،
انهار بدداً عالمه كله.
وقد خيل إليه ، في غمر من الأحداث ،
أنه لن يلتقي ثانية معلمه :
معلمه ، ينبوع حياته .
فحال قلبه..
فعمد إلى الكتاب واليراعة
عله يفرج عمّا يفعم صدره من أشواق
تقضّ عليه مضجعه.
فكانت هذه المقطّعات
كأنّما لتكفكف دمعه !
والصفحات الآتية هي،
آناً ، ممر مزهر بالوعود ،
أو شجرة مثقلة بيانع الثمر،
وآناً ، جرح مرير يصرخ ثائراً
ويطرّز نسيج الآلام بعذاب لا يوصف.
وليس إلا داهش ،
داهش ، وحده ،
من تتوق هذه الصفحات إلى لقائه
والإنشاد له .
ويا ليت كل امرئ
يهتدي إلى ميناء روحه المنشـود !
ويا حبذا ، أيها القراء ،
لو تفقهون ما لهذه الكآبة من فرح لا يُحد :
إنها حنين صافٍ
ينشد ربه...
جورج شکور
مقدمة
لقـد ألقيتُ ، في هـذه السلة الـواهيـة ، شتيتـاً من أثمـار وأزهار..
وسوف يتساءل بعضهم عن حقيقة مرامي !
فلم التنصل من الجواب ؟
ثمة ، أيضاً ، من تلك الأثمار والأزهار ، مـا ليس بناضـج أو مفتح الأكمام .
على أنه ليس عندي من تفسير حقيقي لهم سوى أن هذا الكتاب يصور نفسي على صفحات بحيرته .
وإني لأنشره فعل حب لرجل عظيم وفعل إيمان به .
ومـا كنت لأقـدم عليـه لـو لم يغمـرني اليقين المطلق بـأن الداهشية ـ وهي معتقدي وايماني ـ قد وجدت لخلاص الانسان من شر راهن ، شر طـام طاغ مبيد ، هو : الإلحاد ؛ سم زعاف ما كفّ فتكه الوبيل ، مفرخاً آفات ما برحت تتْرى ، ومدمراً هيكل الفكر ، خصوصاً ؛ وكأنه حقاً
أخطبوط .
من أين لي هذا اليقين ؟
هي حقبة خمس عشرة سنة ، في أحضان الداهشية ، أتاحت لي الفـرصـة الـوحـيـدة ، في العالم، كي أدرس عن كثب ظـاهـرات روحية كانت جـديرة ، للغـايـة ، بأن تحيي في ذاتي بذور الحب والشجاعة والوعي والإيمان الراسخ بالله.
ليس شعوذة ما نتكلم عليه وإنما هو حقيقة
الدكتور داهش هو النبي الحبيب الـذي عنه تتحـدث أسفارنا المقدسة ، وتعنيه آمالنا ، وتبكيه أشواق هذا العصر .
يرسو هدف كل دين روحي عنـد العزم الثابت المحدد على أن يرسّخ ، في ذات الإنسان ، حب الحق والخيـر والجمـال ؛ وأن يوقظ تلك الحقيقة القاطعة ، بل الفائقة الوصف ، إلى أن تنحطم الصدفة الصلدة ، وتنجلي الحقائق الأولى حتى ليسوغ القـول إن أقصى ما يبلغـه فـكـر الإنسان إنّما يكمن ويختصـر في البحث المطلق عن مبادىء السعادة تلك.
وما تبقى ، فباطل
ولن تعميني أبـداً الرغبة في نقض مبادئي ، والاستـرسـال في مجادلات لا تنتهي ، وتحليلات مملة. حسبي أن أرى منذ الآن ، وفي تواضع المبلّغ ، أن العالم بأسره سوف يستيقظ ، عـاجلا أم أجلا ، على الداهشية.
إنني أعلم ، وقد رأيت !
داهش . . برهان ويقين
إنه ، وحده ، متخطياً أحـلام العلم ، يزيح السجوف الهـائلة التي تحجب المجهول الرهيب ، ملطفاً جفاف كل معرفة .
الكلمات لا تثبت شيئاً ، على الإطلاق !
وما البرهان ؟
كم من كتاب مقدس ، وكم من جريمة معه !
كم من أفلاطون ، وكم من ريب معه !
الفلاسفة ، هنا ، يناقض بعضهم بعضاً !
والفكر ، هنا ، يهذر !
كيف التفتّ ، ترى الأديان في صراع ...
وجميعنا متعطش إلى الحقيقة،
وليس ، ههنا ، من برهان ليحل عقدة الأمس المستعصية ، أو
ليعقد إضمامة الغد الجديدة.
ما ثمة يقين ،
ما خلا القلوب الشاعرة ، والمعجزات الكامنة في الطبيعة !
ولكن ، من ذا الذي يراها ؟
يبدو أن روح هـذا العصـر تـسـتـوجب معجـزه أكبـر ، تتخـطى القوانين المعروفة عندنا !
وحقّ هذه الحاجة الحيوية أن تطفئ ، اليوم ، أوامها؛
ولا بد من ذلك ، وإلا باء التطور كله بفشل ذريع .
ولا يجـدي الاعتماد على الحقيقـة القـائلة ـ مع أنها ، في نظري ، أساسية ـ إنّ أديان الأرض ، كافة ، لم تأل جهـدأ و إضفـاء شكـل وحيـاة على تلك الأهـداف التي هي ، في ذاتهـا . بسيطة جدا : الله ، الخلود ، الخ.. وإنها ، نتيجة لذلك ، تتكامل ، بقوة جاذبيتها الوحيدة ، التي هي قلب الله ؛ كما تتكامل في الجوهر الأصلي الذي يقيم ما بينها وشائج ، بالرغم مما يباعدها من زمان ومكان . . . فكـأنها ، كما يقال ، بتلات لوتس فائق الجمال :
لوتس الحقيقة الواحدة !
إذا ، لقد تعلمت ، شخصيا ومنذ زمن بعيد ، أن أتجاوز ما بين مظاهر الأديان وألوانها من اختلاف تافه تغلغل في الطقوس ، بفعل الأخطاء والجهل ؛ وأن أتجـاوز ، كذلك ، العقلية العقيمة العمياء لشعوب أضلها القيمون على الدين .
أتراني ملزماً بأن أضـرب لبنان مثلا ؟
إن الأخـوّة العالميـة الداهشيـة تـرفـع صـوتهـا ، داعيـة ، أولا وبخـاصـة إلى رفع الحـواجـز السخيفة ذات الطابع الثقافي والطائفي.
كلنا أخوة
إن نبيا عظيماً ما بيننا !
نبيـا يغنيـه إنجيل يوحنّا ، والقـرآن الكريم ، ومـا دوّنـه داود
وسليمان من صفحات خالدات !
إن المعجزات التي كنت شـاهـداً حيـا لهـا بـراهين واضحـة المنطق ، تثبت أن الدكتور داهش قد أتى من ذلك العالم العجيب ليرشدنا إلى ملكوته الأبـدي؛
أجل ، ملكوته !
تلك المملكة التي لا تدول ،
والتي لا تخوم لجمالها !
رسالته نسيجهـا معجـزات روحية ، قـادرة ، وحـدهـا ، على
تحريك لامبالاتنا الصخرية الصماء !
كلنا معنيّ برسالته :
فإن حياته وأعماله تتوجه إلى كل أمة ،
وتخاطب كل دولة ،
وتمد اليد لكل شعب . . ولكل فرد !
ولكن ، سيفوت الأوان ، ذات يوم !
وأود ، قبل الفراغ من هذه العجالة ، أن يعلم القارئ جيداً بأن النبي الحبيب ، في شرعي أنا ، إنّما يُتمّ مـا شـرعت به الرسالات الإلهية كافة . ولولاه لاستحال علي الإيمان العميق بأي منها . لقد كان "البرهان " و « المحبة » اللذين كنت إليهما أفتقر؛ ففي يوم لم أكن أتوقعه من أيام عمري ، أعادت معجزاته الباهرة ، وحدها ، الحياة إلى رماد منسيّ . لقد رفعت ، في نفسي ، هيكل إيمانٍ بالله لا يتزعزع ... الله ، المصدر المطلق لكـل حقيقة وكل فكر.
جورج شکور