info@daheshism.com
الحبيب والفنّ الفنّ السرياليّ:

 

                         في مُتحفِ الفنونِ الجميلةِ

                              بلوس آنجلوس

 نهضتُ صباحاً وأنا بشوقٍ عارمٍ لمشاهدةِ متحفِ الفنون الجميلةِ في لوس آنجلوس. وقد استقلَّيتُ سيّارةَ أجرةٍ مع الدكتور خبصا، وذهبْنَا بها إلى متحفِ لوس آنجلوس كونتي أوف آرت COUNTY OF ART وهو المتحفُ الحكوميّ الرسمي، ويبعدُ عن الفندق نصفَ ساعةٍ بالسيّارة. ويضمُّ هذا المتحفُ خمسةً وثلاثينَ مليون قطعةً فنّية، وهو يفتحُ كلَّ يومٍ ما عدا الإثنين. والدخولُ إليه مجّانيّ، إلاّ إذا عُرضَتْ فيه أشياءٌ خاصّة.

وعند وصولِنَا إليه، شاهدنَا عدداً من النوافير تزيّنُ المدخل، وتُطلقُ المياهَ بشكلٍ تصاعديٍّ جميل. فولجنا طابقَه الأرضيّ وقد انتشرتْ في باحاتِهِ التماثيلُ البرونزيّةٌ والحجريَّةُ والمرمريّةُ الرائعة، وهي من نحتِ مشاهير الفنَّانين. ثمَّ صعدْنَا إلى طابقِهِ الأوَّل، فإذا اللوحات الزيتيّةُ الرائعةُ تزيِّنُ جدرانَه، وهي لأشهرِ الفنَّانين الغربيِّين- أمثال رامبرانت، وسيزله، وبراك، ورويدال، وأوتريّو، وفلامنغ، وناتوار، وفراغونار، وغيرهم كثيرين.

وقد تشوَّه أحدُ الحيطان بلوحاتِ بيكاسو السرّياليّة التي لا معنى لها. ولفتَتْ نظري، بصورةٍ خاصَّة، ثلاثُ لوحاتٍ رائعةِ الفتنة للرسّام الشهير بوشه، ومنها لوحتان لمْ أرَهُما، من قبل، في الكتبِ الفنيَّةِ التي تطبعُ رسومَ بوشه بالألوان التريكرومي. إنَّ هذا الفنَّانَ العظيمَ الذي وُلِدَ عام 1703، يتسمَّرُ المرءُ في مكانِه عندمَا يُشاهدُ لوحاتِه الزيتيَّة وقد وشّاها بألوانٍ هي ألوانُ الفجر منمَّقةً بألوانِ الغسقِ السحري.

أمّا النعومةُ في رسمِها فحدِّثْ عنها ولا حرَج. إنَّها متعةٌ للبصر وروعةٌ للنظر!

كما استرعَتْ انتباهي لوحةٌ كبيرةُ الحجمِ للرسّام توماس لورانس الذي وُلِدَ عام 1769، وتُوفّي عام 1830، وهي تمثِّلُ شابّاً في مقتبلِ العمر. فأنتَ تحسبُه حيّاً تنبضُ الحياةُ فيه، وتأسرُكَ نظراتُه الحيَّةُ فتظنُّ أنَّه يكادُ أنْ يخاطبَك.

كما متَّعتُ بصري بلوحةٍ رائعةٍ للفنّان الزندر آكوري الذي وُلدَ سنةَ 1535، وتوفي 1607، وهي تمثِّلُ فينوس تحاول الإستيلاءَ على قوسِ كيوبيد، إله الحبّ، وسهامه؛ وهي كبيرةُ الحجم، رائعةُ الفنّ. فوقفتُ أتأمَّلُها بشغفٍ شديد، وأنا أتمنَّى لو كانت تخصُّني. ودهشتُ للوحةٍ كبيرةٍ للفنّان أنتوني جان بارون الذي وُلدَ عام 1771، وتُوفّي عام 1835، وهي تُمثِّلُ شابّاً جميلُ الطلعةِ أهْيف القد، يقفُ بقامتِهِ الفارعةِ أمام حصانِه المتأهِّب للإنطلاق. كما كان إعجابي عظيماً بلوحةٍ هي الفتنةُ إنْ تجسَّدتْ للفنّان ألكسندر وأبانتْ المولود في سنة 1836، والمتوفّى سنة 1892، وهي تمثِّلُ منظراً طبيعيّاً بأشجارٍ مُتْقَنَة الفنّ، وأعشابٍ هي الفتنة نفسُها، وبحيرةِ ماءٍ تكادُ تروي غليلَك من مائها السلسبيل. ثمَّ زُرنَا طابقه الثالث وفيه كنوز من التماثيل الرائعة لآلهةِ المصريّين كإيزيس، وأُوزيريس، وهورس الطفل المقدَّس، ولنواويس مصريّة. ثمَّ شاهدنَا التماثيلَ اليونانيّة والرومانيّة الدقيقة الصنع الفاتنة بإكتمال الفنِّ العظيم فيها.

وزُرنَا القسمَ المعروضةَ فيه الأواني الفخّارية والصينيّة التي كان يصنعُها فنّانو بيشاور، وأصفهان، والهند، ومصر، وفارس، فبهرَتْنَا كثرتُها، وأُعجبْنَا بتنسيقِها الدقيق. وخرجْنَا من المتحف بعد ساعتين كاملتين، زُرنا فيهما طوابقهَ الثلاثة. وكنتُ مسروراً لمشاهدتي هذه الكنوز العجيبة التي لا تُقدَّرُ بثمن.