info@daheshism.com
الجنة ووصفها  و موطنه السعيد:

 

في جنَّة الخلد

 

حلقي، يا روحي، عاليًا، وجُوبي الآفاقَ العلوية!

أَوغلي في الطبقاتِ الشفافة، واجتازي الأعماقَ الأرضية!

واخلعي عن كاهلكِ أعباءَ رغباتكِ الزريّة!

حُومي فوقَ  شوامخِ  الجبال المتوجةِ بالغيومِ البهية!

وابلُغي، يا روحي، هناكَ حيثُ الفراديسُ الألهية!

وتفيئي، يا روحي، ظلالَ أشجارِها الغيناء الهَنية!

واجني، يا مُنى نفسي، أشهى ثمارها الجنية!

ثم اقطفي من حدائقها الغنّاءِ أجملَ أزهارها الندية!

وانشُقي عبيرها الفواحَ، وانعمي برائحتها العطرية!

وتنسمي عبيرَ الخُزامى، وانتشي بنكهته الشذية!

واعبثي بالطلِّ النقي المُكلل لأقاحيها الغنية!

واهنئي بسماعِ أغاريدِ أطيارها الشجية!

وخوضي نهرها اللُجيني الصافي بزرقته الفيروزية!

وانهلي من جدولها الرقراق بمرحٍ دافقٍ وشهية!

وانظري إلى الحواريِّ الراقصاتِ بحُللهنَّ الأرجوانية!

وتأملي في وجوههن النضرة وشفاههنّ القُرمزية!

وانظري إلى شعورهن المُسدلة وكأنها قطعٌ من ليلةٍ داجيةٍ سحرية!

وتأملي في نجومِ الليل وكواكبه الذهبية الدّرية!

وسبحي الله، يا روحي المضيئة في جناتك اللانهائية!

واهزُجي مع الملائكة الأطهار بأهازيجكِ القدسية!

واخشعي أمام الخلاقِ العظيم على مقدرتهِ العلية!

وتناسي، يا روحي، (الأرض) وخلائفها الجهنمية!

واضرعي بحرارةٍ وإيمانٍ للعلي أن يُبقيكِ تقية!

وارفعي صلواتكِ بخشوعٍ كي لا تعودي إلى أرضِ الخطية!

واسعدي، يا روحي المغمورة بالغبطةِ السرمدية!

وافنيْ في حُبِّ الله وسماواته النقية!

واندمجي فيه، وتغني بقُدرتِه الأزلية!

ولتُشارِكِكِ العناصرُ بأناشيدكِ الخُشوعية!

واخلُدي في ظلِّ محبتهِ العظيمة، يا روحي القوية!

ولتمضِ الآجالُ والأجيالُ السحيقةُ وأنتِ غارقةٌ في تأملاتكِ السماوية!

                                                       بيروت، في 15 أيلول 1942