
- حانة الرُّعاع والأوباش
عزفت الموسيقى أنغاماً بوهيميّة أثارت أحط أنواع الغرائز الجنسيّة في نفوس طبقات القتلة والسفاحين واللصوص والمجرمين الذين كانوا يصخبون ويضجون وهم يتمايلون على إيقاع هذه الأنغام المثيرة ويعربدون .
وقد تأبّط كل رجل امرأة وجعل يراقصها بخلاعة شنيعة .
وكانت روائح الكحول تملأ الأنوف وتسمم الهواء في جو القاعة .
وكان السكارى يتمايلون ذات اليمين وذات اليسار . والهرج والمرج يدويان في هذه الحانة الوضيعة التي جمعت حثالة الرعاع وأدنى طبقات الأوباش من المرتكبين لكل نقيصة مهما انحطت . وراح القتلة والسفّاحون ينثرون الذهب نثراً على عشيقاتهم دون حساب . وكنت أراقب كل حركة من حركاتهم وأنا مأخوذ من هذا اللون الجديد من ألوان الحياة في هذه العاصمة التي تموج بملايين من الخلائق البشريّة .
وعندما انتهت الجولة الأولى من الرقص العجيب عاد جلبرت إلى مائدته وهو يتأبّط ذراع فتاة ممشوقة القوام . وكي يبرهن لها على شدّة إعجابه بها أخرج من جيبه قبضة من الذهب ونثرها أمامها فالتقطها بسرعة غريبة وأفرغتها في حقيبتها . وكنت ضمن هذه القبضة . فأصبحت ملك .(كتي) اسم الفتاة .
وعندما انبلج فجر جديد كنت قد شاهدت خلال ليله كيف تنحر الفضيلة نحر النعاج . وكيف نسفح النبالة على مذبح المادة . وكيف تباع الكرامة . وتداس الشهامة لقاء مادة لا تغني ولا تسمن . فلعنت الساعة التي كتب لي فيها مغادرة وطني الآمن وانخراطي في خضمّ هذا المحيط الزخّار بالشرور التي تضجّ من هولها أبالسة الجحيم في جهنمها المتأججة الأوار .