info@daheshism.com
الإنسان وشخصيته ,  غرور الإنسان:

 

تعريف

                                     بقلم الدكتور داهش

      هذا الكتاب ألّفته عنما كانت سنّي عشرين عاماً . وها قد إنطوت الأيّام ، وتسربّت الشهور ، وأُبيدت الأعوام، وما زال مخطوطاً ومهملاً بزاوية النسيان .

      واليوم نفضت عنه غبار الزمن وطالعته ، فإذاني أجد الكثير ممّا سبق وكتبته يحتاج لتشذيبٍ وتهذيب ، فضلاً عن الحذف .

      فعندما كتبت هذا الكتاب كنت في عمر الورود ، وكانت تنقصني الخبرة . وعزمت على أن أصرف النظر عن طبعه. ولكنّي عدت ثانية وصمّمتُ أن أدفعه الى المطبعة مثلما سبق وكتبتهُ دون أن أجري فيه أي تغيير.

      فالفرق شاسعٌ بين ما يكتبه المرء في مطلع شبابه وبين ما يدوّنه بعدما يكون قد حلب من الدهر شطريه ، وبعد أن يتلقّى من الدهر صفعات مزلزلة ، ويدخل في جوف أتّون مُتّقد بالنيران المُبيدة ، فإذا بهذه النيران الجهنّميّة تُصهره ، ثمّ تُبَوْتقه ، فاذاه شخصٌ لا يمُتُّ لشخصيتّه الأولى بأيّة صلة .

      وبعد ، فها هو كتابي أضعه بين أيدي القرّاء ، فليحكموا له أو عليه ، والسلام .

                                                                                            داهش

                                                                                   بيروت في 27 شباط 1979

 

لماذا وضعت هذا الكتاب

                                               بقلم الدكتور داهش

 

... منذ الصِّغر ،

كنت أتمنّى أن يأتي يوم

أستطيع فيه أن أضع كتاباً ما من بنات أفكاري ،

شارحاً فيه ما تجيشُ به نفسي

من شتّى الميول والعواطف والأفكار والآراء ،

نافثاً فيه أحزاني وآلامي ، وآمالي وأحلامي ،

مدوّناً في صفحاته خطرات ليلي وصباحي ،

وذكريات أفراحي وأتراحي ،

وغيرَ ذلك من شتّى الميول البشريّة الطارئة .

وها قد سنحت الفرصة الآن لذلك .

فأنا أقوم به مُغتبطاً مسروراً .

ولمّا كنت من المُعجبين بكتابات الكاتب الخيالي الكبير

المرحوم ( جبران خليل جبران ) فقيد الشرق ،

تصفحتُ كلّ ما كانت قريحته الفيّاضة ،

وخياله الواسع يوحيان إليه.

وكانت عرائس خياله تمدُّهُ بالمساعدة في كلّ ما يكتب ،

فكأنّه معين لا ينضب !

وأيم الحقّ ! إنني كنت أسبح في بحرٍ من الخيال اللامتناهي

عند قراءتي بعض قطع خياله !

ولا أعود إلى نفسي إلا بعد مرور دقائق طويلة ،

من فرط نشوتي الروحيّة التي كانت تتركها في نفسي

قراءتي لتلك القطع السامية الخيال

التي كان كاتبها العبقريّ يرمي الى غاية من ورائها .

وقد أعجبت بصورة خاصة ببعض قطع لهذا النابغة الكبير

مثل : حياة الحب ، الأجنحة المتكسرة ، مناجاة أرواح ، مضجع العروس ، والأب سمعان .

... فاستهوتني هذه البدائع وأمثالها جدّ الاستهواء ،

ورغبت في أن أصوغها في قالبي بعد أخذ الفكرة عنه .

وعند ذاك ، حلّقت بروحي ، كما سبق وحلّق من قبلي ،

وأمسكت بقلمي ،

واستوحيت عرائسي الخفيّة !

فألهمتني كتابة ما كتبت من القطع

التي ألّفت بها كتابي هذا ،

وقد سميته : ( أسرار الآلهة ) ! ...

نعم ،

إنّ جبران خليل جبران لم يسبق لكاتب غيره

أن جاراه في خياله الواسع ،

وسيمضي زمنٌ طويل أيضاً ،

حتى يأتي ذلك الجل الذي يستطيع أن يحلّ مكانه ،

ويتبوّأ في خياله المُطلق ما كان جبران متبوئاً إياه .

ولكنّ الفضل في ذلك يرجع إلى فتاته ( سلمى كرامة ) ،

تلك الفتاة اللعوب التي أحبها وشغف بها .

ولكنْ ... قدّر ألا تكون له ...

فسحق الألم كبده ، وهاج ما كان دفيناً فيه من الشعور ،

فغادر الديار السورية الى الأقطار الأميركية ،

بعد أن خلّفته معبودته سلمى كرامة

ذاهبة بعيدة ما وراء الغيوم ،

الى ذلك المكان البارد المنسيّ ،

قهراً وحزناً على زواجها برجلٍ

غير فتاها ( جبران ) ، مُرغمةً مُكرهة .

وكان رسمها لا يبرح مُخيّلته

بعد مرور السنين الآفلة الطويلة .

... كان يظن أنه يستطيع أن يتناساها ،

بمضيّ السنين الآتية . ولكن ، أنىّ له ذلك

وأشواك الذكريات مُحيطةٌ به من كل جانب ؟

كانت ذكراها تزداد رسوخاً في أعماقه

بتوالي الأيام الطويلة ،

وتقضُّ مضجعه ، مخلّفةً له آلاماً

لا طاقة لبشريّ على تحملها .

كان يصهر في كل دقيقة من دقائقه

بأتّون ذكرياته العالقة بفتاتة وقد خلّفته وحيداً ،

في بحر هذه الحياة الصاخب الأمواج ،

المزبدّ الأثباج بعنفٍ وقسوة ّ!

_ هذه الحياة التي لا ترحم ، ولن ترحم !

ففتق الحزن المرير عليها قلبه الفيّاض الجائش ،

المليء بحبَّه المكين لها ،

فأتى بدرره الخالدة التي نقرأها ،

فنسبح مع عرائس المروج !

نعم ،

إنّ سلمى كرامة هي المرأة التي خلقتْ

جبران خليل جبران !

فكتب ما كتب ...

ولولاها لما قرأنا النبي ويسوع ابن الانسان ،

وآلهة الأرض ، ومملكة الخيال ، والعواصف ،

وغيرها من بدائعه الخالدة !

و ( ديانا )

هي فتاتي التي حالت القوّة ما بين قلبي وقلبها ،

فغادرتها مُضطرّاً ، مُرغماً ، مُكرهاً !

وصورتها منقوشة في أعماق أعماقي .

وكاد الحزن عليها يودي بي ،

لولا الأمل الذي لولاه لقضي عليّ :

أمل رؤيتها يوماً ... مهما طال !

إذ ما زلت في سنِّ الشباب ،

وهي ما زالت فتاةً صغيرة السنّ ...

نعم ،

إنّ ديانا لها كلُّ الفضل في ما أتيت به

من هذه القطع التي استمدَدْتُها

من وحي جمالها البارع ، وحسنها الرائع !

نعم ،

إنّها مُستمدّة من وحي لطفها الباهر ، ونورها الساحر !

إنّها مُستمدّة من عطفة قوامها اللدن الميّاس !

إنّها مُستمدّة من حلكة شعرها الداجي

المُنسدل على كتفيها !

إنّها مُستمدّة من عذوبتها اللاحدّ لها !

إنّها مُستمدّة من طهارة روحها ونقائها !

إنّها مُستمدّة من صفاء عينيها وزرقتهما !

إنّها مُستمدّة من وهج مقلتيها الفتّاكتين !

إنّها مُستمدّة من نصوعها الذي يفوق نصوع زنابق المروج !

إنّها مُستمدّة من نقائها المزْري بنقاء الياسمين !

إنّها مُستمدّة من روحها النقيّة الحالّة فيّ !

إنّها مُستمدّة من صفائها الذي ليس وراءه صفاء !

إنّها مُستمدّة من حبّها العُذريّ !

إنّها مُستمدّة من صباها في العنفوان !

إنّها مُستمدّة من سنواتها التسع عشرة !

إنّها مُستمدّة منها !

ولولاها لما كان الكتاب !

إنّها مُستمدّة من وحي حبَّها لي وحبِّي لها !

إنّها مُستمدّة من ديانا التي ما زلتُ أتخيّلُها

رغم بعدي عنها

سنتين قاسيتين ، مريرتين ، قاتلتين ،

أبديّتين ، أزليّتين !

إنّها مُستمدّة منها ولها .

نعم ،

إنّ كتاب ( أسرار الآلهة )

لولاها .... لما كان !

داهش

أول آب 1932